القاهرة | جاء قرار محكمة استئناف القاهرة أمس بإخلاء سبيل الرئيس السابق حسني مبارك، ما لم يكن محبوساً على ذمة قضايا أخرى، ليثير لغطاً والتباساً كبيرين لدى الشارع المصري، ولا سيما أنه جاء بعد يومين فقط من قرار تنحي القاضي المكلف إعادة محاكمته في قضية قتل المتظاهرين مع وزير داخليته حبيب العادلي، وذلك في أعقاب قرار محكمة النقض بإعادة المحاكمة بعدما كان محكوماً عليهما بالسجن المؤبد، وحصل وقتها 6 من مساعدي العادلي المتهمين في القضية على حكم بالبراءة. الالتباس لم يكن حاصلاً فقط بسبب هذا التزامن، لكنه جاء بسبب حالة الغضب التي انتابت العديد من شرائح المصريين الذين ظنّ بعضهم أنه يعني حكماً بالبراءة، أو أنه تساهل من المحكمة، بينما جاء غضب البعض الآخر لعدم إحساسهم بدور فاعل لنيابة الثورة، التي أعلنها الرئيس محمد مرسي، في قانون مُكمّل للإعلان الدستوري الذي أصدره في 21 من تشرين الثاني الماضي.
أمر عبّرت عنه صفحة «كلنا خالد سعيد»، التي يقترب تعدادها من 3 ملايين مشترك، بالقول: «سؤال للنائب العام اللي عيّنه رئيس الجمهورية ولجنة تقصي الحقائق اللي شكلها رئيس الجمهورية وإلى رئيس الجمهورية الذي وعد بالقصاص من قتلة الشهداء: فين الأدلة الجديدة المتعلقة بقضايا قتل شهداء الثورة اللي نشرت عنها وسائل الإعلام؟».
رئيس محكمة استئناف الإسكندرية، المستشار فكري خروب، أوضح في تصريحات خاصة لـ«الأخبار»، أن «قرار إخلاء السبيل طبيعي وقانوني لأنه وفقاً لتعديلات قانون الإجراءات الجنائية، فإنه لا يجوز أن يظل المتهم قيد الحبس الاحتياطي لمدة تزيد على عامين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام، وهو ما كان محكوماً به على مبارك».
أما الصحافي المتخصص في الشأن القضائي محمد بصل، فحلل المشهد قائلاً لـ«الأخبار» إن مبارك لن يخرج الآن لأنه متهم بقضايا فساد أخرى، كقضايا متعلقة بقصور الرئاسة وهدايا الأهرام وغيرها، وهو ما يعني استمرار حبسه ما دام على ذمة قضايا أخرى، موضحاً أن الإصرار على ربط قرار إخلاء السبيل بأنه يعني حكم براءة أو ربطه بعصر مرسي، هو من قبيل «استجهال» الناس.
إلا أن بصل استطرد في شأن التساؤلات الخاصة بنيابة الثورة وفكرة إمكانية حصول مبارك أو العادلي على حكم بالإعدام، مبيناً أن محكمة مبارك تعاد وفقاً لقرار محكمة النقض، لا نيابة الثورة، ومحكمة النقض قبلت طعني النيابة ومحامي مبارك ووزير داخليته في نفس الوقت. ومن ثم فهي لم تفصل في الحكم، لأن محكمة النقض «تحاكم الحكم لا المتهمين. ومن ثم هي لم تفصل في الاتهامات الموجهة إليهم، وكل ما في الأمر أنها اكتشفت أخطاءً في تطبيق القانون في أجزاء من القضية، وبالتالي فمبارك لم يأخذ براءة أو العادلي أو مساعدوه، أو أن الحكم خُفف عنهم». ونوه بأن مبارك كان يحاكم في قضية قتل المتظاهرين وفي قضية فساد مالي مرتبطة بجمال وعلاء مبارك وحسين سالم. القضية التي أخذ فيها سابقاً حكم بالبراءة لانقضاء وقت الدعوى، 10 سنوات، ما يعني أن براءة مبارك لا تنسحب على بقية القضايا.
وواصل بصل حديثه، منبهاً إلى أن قانون نيابة الثورة يحتوي على إشكالية كبيرة، هي أنه «لم يذكر آليات تحدد كيفية استخدام الأدلة التي تجمعها نيابة الثورة، وبالتالي سيكون النظام أمام خيارين أحلاهما مر: إما الاصطدام بمبدأ استقلال القضاء والدستور الذي رحب به الحزب الحاكم والنظام، وإما ترك القضايا تسير في مسارها الطبيعي بنفس الوتيرة، وهو ما قد يؤجج الغضب داخل المجتمع لتأخر العدالة الناجزة وربما فقدانها».
لذا، فقد خلص بصل إلى أن مبارك لن ينال حكماً بالإعدام، ولا العادلي كذلك، وأن غاية ما يمكن أن تفيد به نيابة الثورة من خلال الأدلة التي قالت إنها حصلت عليها هو إدخال متهمين جدد في القضية، أو زيادة عدد السنوات في قضية مساعدي العادلي الستة الذين حصلوا على البراءة.
أما مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، المحامي خلف بيومي، فاتفق مع أسئلة صفحة «كلنا خالد سعيد». إلا أنه بين بحكم مشاركة أفراد من مركزه في مساعدة نيابة الثورة في الإسكندرية، أنه يوجد أدلة، ولكن لا يوجد من يتبناها، «فنيابة الثورة سلمت الأدلة للمحكمة، ولكن النيابة العادية لم تتبنّ القضية حتى الآن عبر القيام بفتح تحقيق قانوني بناءً عليها». هذا مع أن قانون نيابة الثورة قد منح النيابة العامة حقاً في إعادة التحقيقات وسماع الشهود والاستفادة بالأدلة الجديدة، والإحالة على القضاء من دون تقيد بالنص القانوني الذي يقول «بعدم جواز نظر الدعوى سابقة الفصل فيها»، مبيناً أن الاستفادة من نيابة الثورة ستكون واضحة ومؤثرة بالنسبة إلى شهداء الثورة الذين ماتوا في الميادين على مستوى الجمهورية من دون أن يقدم ضابط واحد للمحاكمة بشأنهم.
من جانبهم، قال نشطاء محسوبون على جماعة الإخوان المسلمين على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» إن مبارك لن يخرج، فالنظام الحالي لن يسمح بذلك، ومبارك سيظل محبوساً على ذمة قضايا كثيرة، ما دام الإخوان يحكمون. وأضاف النشطاء أنه «منذ أكثر من شهر ظهر فيديو على يوتيوب لحديث جانبي بين عمرو موسى وعصام العريان قال الأخير فيه لموسى ما معناه أن فيه ناس بتجاهد علشان تطلّع مبارك من السجن وإنهم مستحيل يقبلوا بده، وإن مبارك هيفضل طول عمره في السجن لحد ما ربنا يفتكره». وحللوا ذلك بأن خروج مبارك من السجن سيؤدي إلى ظهور ضغط على النظام الحالي من خلال تظاهرات واحتجاجات لإعادته الى الحكم وربما أحكام قضائية ببطلان التنحي.