رام الله | تعددت وجهات النظر حول استقالة رئيس الوزراء الفلسطيني، سلام فياض، فبينما رأى البعض أن الاستقالة جاءت نتيجة الضغوط الفتحاوية الممارسة عليه، ولا سيما بعد رفضه إعطاء علاوات لأبناء الحركة، وتعيين وزراء منها في حكومته، وقطع الرواتب عن أبناء الحركة المفرغين في غزة مؤخراً، ذهب البعض الآخر إلى أن الاستقالة جاءت نتيجة لصراع على الصلاحيات بينه وبين الرئاسة، ولا سيما بعدما قبل فياض استقالة وزير المالية نبيل قسيس، من دون الرجوع إلى الرئيس. لكن الواضح أن الاستقالة جاءت بعد ضغوط مارستها الولايات المتحدة على الرئيس محمود عباس لإبقاء فياض في منصبه، وخصوصاً بعدما تحدثت تسريبات إعلامية عن اتصال أجراه وزير الخارجية جون كيري مع أبو مازن يوم الجمعة الماضي، نصحه فيه بعدم قبول الاستقالة.
الضغوط الأميركية أثارت حفيظة الكثيرين في الأوساط السياسية الفلسطينية، وحتى في حركة فتح، حيث عبّر عضو لجنتها المركزية عزام الأحمد عن شعوره «بالمهانة والخجل جراء هذا التدخل السافر في الشؤون الداخلية الفلسطينية». فقبول الاستقالة في هذا التوقيت يدفع إلى التساؤل عما إذا كان يشكل تحدياً للإدارة الأميركية.
وفي هذا السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بير زيت، سميح حمودة، أن «الموضوع ليس له علاقة بتحدّي الولايات المتحدة، لكن السلطة وجدت أن موقفها سيكون حرجاً جداً أمام جمهورها إذا استجابت بشكل علني للضغوط الأميركية»، مضيفاً أن «أبو مازن لا يريد أن يظهر أمام جمهوره بأنه دمية أميركية، وهو يحاول الظهور بمظهر الحريص على القرار الفلسطيني المستقل، وقد اصطدم سابقاً مع الإدارة الأميركية في عدة أمور: مثل التوجه إلى الأمم المتحدة، والذهاب إلى قمة دول عدم الانحياز في طهران».
ويقول حمودة إن «أميركا لا تضع سياستها باشتراط وجود شخص معين، هي ستنظر من سيكون خليفة فياض، وستعمل على أن يكون هذا الشخص في إطار التسوية»، ويقرّ بوجود دور لأميركا في تعيين الشخصية المستقبلية، «بحيث لا تختلف الشخصية المقبلة في سياستها عن سياسة فياض».
في مقابل الضغوط الأميركية، يتحدث البعض عن وجود ضغوط فتحاوية على أبو مازن أفضت به إلى إقالة فياض. قادة فتح كثيراً ما اتهموا الرجل بأنه يحاول تهميش الحركة، وذلك بسعيه إلى إمرار قراراته من دون الرجوع إليها، ولا سيما بعد إقراره خطة الميزانية للعام الحالي من دون أخذ مشورة الحركة.
لكن الهجوم الفتحاوي على الرجل تفجّر مع قبوله استقالة وزير المالية نبيل قسيس، من دون الرجوع إلى الرئيس.
ويتحدث حمودة عن وجود ارتباط بين موضوع استقالة قسيس، وخلاف فتح وفياض، ويبيّن أن «نبيل قسيس كان مقرباً من حركة فتح، وقبول استقالته هو إضعاف لوجود فتح في السلطة، وهذا ما يفسر هجوم الحركة عليه بعد هذا الموضوع تحديداً».
ومن ناحية أخرى، يرى الفتحاويون أن أداء فياض الحكومي الضعيف، بالتوازي مع محاولته أن يكون شريكاً سياسياً للحركة، أدى إلى فقدان فتح كثيراً من شعبيتها في الشارع الفلسطيني الناقم على سياسات الحكومة.
ويبدو الإصرار الأميركي على فياض ليس وليد الأمس، فقد مارست الأخيرة ضغوطاً في السابق على الزعيم الراحل ياسر عرفات لتعيين فياض في وزارة المالية.
ولطالما تمسكت الولايات المتحدة وأوروبا بالرجل، معتبرين أنه «يحظى بصدقية لدى المجتمع الدولي»، ولطالما عبّرتا أيضاً عن رضاهما عن سياساته الاقتصادية، المتسقة مع سياسات البنك الدولي، وسعيه في بناء مؤسسات الدولة.



أعرب وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أمس، عن أسفه لاستقالة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، الذي وصفه بأنه «صديق جيد أظهر فارقاً كبيراً». ودعا السلطة الفلسطينية الى اختيار «الشخص المناسب» لممارسة مهماته ومواصلة العمل مع الولايات المتحدة.
وقال وزير الخارجية الأميركي في طوكيو، التي تشكل محطته الأخيرة في جولة آسيوية دامت عشرة أيام: «هل كنت أفضّل عدم مغادرته؟ نعم بالتأكيد، لأنه كان يوفر استمرارية»، مضيفاً إنه «لكي تكون هناك حكومة قابلة للحياة، نحتاج الى أكثر من شخص يمكننا العمل معه».
وأضاف كيري «نأمل أن يتوصل الرئيس (محمود) عباس الى إيجاد الشخص المناسب للعمل معه في إطار المرحلة الانتقالية (نحو دولة فلسطينية) والعمل معنا وبناء الثقة».
(أ ف ب)