تونس | بعد سقوط قتيل محسوب على التيار السلفي في مدينة هرقلة الساحلية، أعلن رئيس كتلة «حركة النهضة» في المجلس التأسيسي، الصحبي عتيق، نية الكتلة المطالبة بسحب الثقة من وزير الداخلية الجديد لطفي بن جدو. وكانت قوات الأمن التونسية قد تصدّت لمحاولة مجموعة من السلفيين، مؤلفة من نحو ١٥٠ شخصاً، اقتحام مركز الأمن للإفراج عن معتقلين من التيار السلفي بتهمة تجاوزات قانونية، الأمر الذي أدى الى سقوط قتيل من المجموعة برصاص الأمن. إثر ذلك، أصدرت الداخلية التونسية بياناً شرحت فيه ما حدث، لكن الاحتقان تواصل في المدينة نهاية الأسبوع الماضي أثناء تشييع القتيل. واضطرت قوات الأمن إلى استعمال الغازات المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين خلال التشييع.
هذه المواجهة بين السلفيين والحكومة في مدينة هرقلة ليست الأولى من نوعها، إذ سبق أن عرفت الضاحية الشعبية لتونس العاصمة دوار هيشر، سقوط قتيل في مواجهات الخريف الماضي، كما سقط قتلى في اقتحام السفارة الأميركية، وآخرين في أحداث معرض العبدلية في شهر حزيران/ يونيو الماضي. كما تعددت المواجهات على الحدود التونسية الجزائرية في محافظات سليانة والكاف وجندوبة والقصرين... وسقط شهيد من الأمن التونسي في أحداث القصرين. وتكررت عمليات مداهمة مخازن السلاح في الضواحي الشعبية المحيطة بالعاصمة في الوقت الذي كشفت فيه تقارير أممية أن ٤٠% من المقاتلين الأجانب في سوريا هم تونسيون. وأكدت تلك التقارير أن تونس «تحوّلت إلى معبر أساسي للسلاح بين ليبيا والجزائر ومالي»، في الوقت الذي حذّرت فيه تقارير استخبارية من أن تونس «أصبحت عملياً في مرمى تنظيم القاعدة».
هذا الوضع الأمني المتوتر ضاعف من مخاوف التونسيين والقوى الديموقراطية، وسط تراجع كبير في الإقبال السياحي على تونس بسبب الظاهرة السلفية وتنامي نشاط مجموعاتها. ويرى خبراء أن كميات السلاح التي تسربت إلى تونس لا يمكن أن تحدث من دون تورّط جهات نافذة في الحكم. وصنّفت بعض المنظمات الدولية تونس أخيراً بأنها من البلدان «المتساهلة مع انتشار السلاح»، ما يزعزع الاستقرار في البلد، وبالتالي يقلّص فرص التنمية والاستثمار.
ومع تولي وزير داخلية محسوب على المستقلين مسؤولية أمن البلاد، استعاد التونسيون الأمل في أن تتم محاصرة ظاهرة انتشار السلاح. وبالفعل، انطلق الوزير الجديد عملياً في إحداث تغييرات كبيرة في أجهزة الوزارة الأساسية. ووجد الوزير الجديد مساندة من نقابات الأمن التي كانت في مواجهة مع الوزير السابق ورئيس الحكومة الحالي. وكانت نقابات الأمن قد نبّهت في السابق من مخاطر المجموعات السلفية وأفعالها وتأثيرها سلباً على صورة تونس في العالم، وخاصة مع الاتحاد الأوروبي الشريك الأول للبلاد.
وأكد نشر وزارة الداخلية لصور المشتبه فيهم في جريمة اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد ضلوع جهة سلفية في الجريمة. لكن تلك الاتهامات سبق لقيادات السلفيين نفيها، معتبرين أن حزب «النهضة» يريد أن يضحّي بهم من أجل إرضاء الجهات الأميركية والأوروبية. أما حزب «التحرير»، أحد أبرز التيارات الإسلامية في تونس فينفذ منذ أيام اعتصاماً مفتوحاً أمام المجلس الوطني التأسيسي من أجل «التنديد بعزم الحكومة على بيع البلاد للاستعمار» كما جاء في البيان الذي يوزعه الحزب في اعتصامه.
فإلى أين تمضي تونس في غياب توافق حول الدستور وفي ظل أزمة اقتصادية خانقة وتوتر سياسي وهشاشة أمنية ملحوظة؟