ما الذي حصل وراء كواليس حرب «يوم الغفران» عام 1973. في الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس، أول من أمس، والتي تناقلتها الصحف الاسرائيلية أمس، كشف عن جملة من الأسرار التي اكتنفت الحرب، تبدأ باستبعاد المواجهة العسكرية مع مصر وسوريا، وصولاً الى إخفاء حكومة غولدا مائير الخسائر عن شعبها.
وتكشف إحدى الوثائق كيف كانت إسرائيل مأسورة تماماً لتصور سائد لديها بأن مصر تحجم عن مهاجمتها. توثق الوثيقة اجتماعاً بين وزير الخارجية الإسرائيلي في حينه آبا إيفين، ونائب السفير الأميركي في إسرائيل جاي أوان زورهالين، في الحادي عشر من نيسان 1973، أي قبل نحو نصف عام من الحرب. سعى إيفين خلال الاجتماع إلى تبديد الخشية من احتمال أن تشن مصر حرباً على إسرائيل، وقدم تعليلاً لذلك ثلاثة أسباب: أولاً، عقلانية (الرئيس المصري السابق أنور) السادات. ثانياً، رضا الجيش المصري عن الوضع القائم. وثالثاً، عدم توافر الدعم من قبل الاتحاد السوفياتي للحرب.
وتظهر الوثيقة انتقاداً قوياً من جانب الدبلوماسي الأميركي حيال إيفين، وخصوصاً حيال عدم رغبة إسرائيل في العمل لاختراق الجمود السياسي القائم مع مصر. ويكتب زورهالين «لقد كرر إيفين تفسيرات إسرائيل الثابتة تجاه الوضع، من دون تقديم أي اقتراحات جديدة، بل إن الانطباع المكون من الجلسة معه يشير الى أن إسرائيل لا ترى حاجة إلى تغيير واقع الجمود القائم».
وتشير وثائق أخرى، تحمل تاريخ الأيام الأخيرة قبيل اندلاع الحرب في 6 تشرين الأول، إلى اللامبالاة التي اتسم بها التعامل الإسرائيلي مع الأنباء التي كانت ترد حول الاستعدادات المصرية والسورية وراء الحدود. إحدى الوثائق المصنفة تحت خانة «سري» تتضمن تقريراً أرسله السفير الأميركي في إسرائيل، كينيث كيتينغ، في 1 تشرين الأول، جاء فيه أن «الإسرائيليين لا يرون أي تهديد من جانب سوريا أو مصر، رغم أنهم يواكبون ما يقوم به المصريون، كما أنهم مطلعون على إعادة انتشار الجيش السوري».
وتلت هذه الوثيقة أربع وثائق أخرى، على مدى الأيام التالية التي سبقت اندلاع الحرب، تضمنت جميعها تقارير حول الاستعدادات العسكرية المصرية والسورية. وتشير إحدى الوثائق، المرسلة بتاريخ الخامس من تشرين الأول، إلى أن الأميركيين أيضاً كان لديهم تقدير يستبعد الحرب، إذ ورد في إحداها «نحن نواصل الاعتقاد بأن وضعية التأهب لدى السوريين هي جزء من الأنشطة التدريبية الاعتيادية». وفي اليوم التالي، أي اليوم نفسه الذي اندلعت فيه الحرب، تحدثت وثيقة أخرى بلهجة مغايرة عن التقديرات السابقة، وتتضمت العبارة الآتية: «حكومة إسرائيل تخشى هجوماً سورياً ومصرياً اليوم»، وترد العبارة كعنوان للوثيقة، من دون أي إضافات.
ومن بين الوثائق البارزة، واحدة أرسلها السفير الأميركي في تل أبيب في الثامن من تشرين الأول، أي في اليوم الثالث من الحرب، حين كانت إسرائيل قد تعرضت لضربات قاسية وعلى وشك إخلاء المواقع المشرفة على قناة السويس. ويكتب كيتينغ في تقريره عن الخسائر الكبيرة التي مني بها الجيش الإسرائيلي، وعن الثمن السياسي الذي قد تدفعه حكومة غولدا مائير جراءها. ويشير الى «تزايد الخسائر الإسرائيلية على الجبهتين (المصرية والسورية)، وأن خطورة هذه الخسائر تتزايد حدة على خلفية إخفاء حكومة إسرائيل الخسائر عن شعبها». ويتهم الحكومة الإسرائيلية بأنها «تخفي عن الجمهور الصعوبات التي يواجهها الجيش في الجبهة. أما الاعتبار الاول لديها، فهو الحفاظ على المعنويات. أما الاعتبار الثانوي فيتعلق بالجانب الأردني، إذ إن إسرائيل تعتقد بأن الأردن يصدق تقاريرها أكثر مما يصدق تقارير الجيشين المصري والسوري».