«الفرعون يتحدث لرعيته»، هكذا يمكن وصف كلمة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، مساء أمس، في إطلاق «استراتيجية التنمية المستدامة لمصر 2030»، بحضور رئيس الحكومة وطلاب الكليات العسكرية وكبار رجال الدولة، وذلك في توليفة عكست اهتمامه بالأجيال الشابة في الكليات العسكرية مع تجاهل دعوة شباب باقي الجامعات.لم يتحدث الجنرال خلال كلمته عمّا له علاقة بالتنمية المستدامة، وهو الهدف الأساسي من الاحتفالية التي أقيمت داخل مسرح الجلاء، حيث اعتاد التحدث لجنرالات الجيش. كذلك لم يقدم أي حلول من شأنها إنقاذ الاقتصاد المتعثر، فيما طالب المصريين بالتبرع لدعم الاقتصاد عبر إرسال رسائل «sms» على الهواتف لدعم صندوق «تحيا مصر»، كأن على المواطن الذي يدفع الضرائب ويعاني ارتفاع الأسعار المستمر أن يوفر من ميزانية منزله المتآكلة باستمرار لدعم اقتصاد دولة لم تستطع منذ انتخاب السيسي قبل 20 شهراً أن تحل أزمة اقتصادية خانقة، أو أن تضع رؤية لمعالجتها على مدى زمني محدد أو واضح المعالم، وسط فوضى تشريعية وتناقضات بين القوانين عطلت الاستثمار الأجنبي وأزمات أمنية أدت إلى تراجع السياحة، خاصة بعد سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء نهاية تشرين الأول الماضي.
وأضاف: «والله العظيم لو ينفع اتباع لأتباع علشان نعمل للناس ما يليق بيهم... لو أن 10 مليون مصري ممن يمتلكون موبيلات صبّح على مصر بجنيه واحد، يعني في الشهر 300 مليون جنيه وفي السنة 4 مليارات جنيه... احنا بنتكلم كتير».
السيسي تكلم بثقة زائدة بالنفس طالب خلالها معارضيه ضمناً بالصمت حتى لا يضعفوا معنويات المصريين، مضيفاً للناس: «لو سمحتم متسعموش كلام حد غيري. أنا بتكلم بمنتهى الجدية، أنا مش راجل بكذب ولا بلف وأدور، ولا ليه مصلحة غير بلدي ومش ليه مصلحة غيرها وفاهم أنا بقول ايه... خلي بالكوا محدش يفكر إن طولة بالي وخلق الحسن معناه أن البلد دي تقع، قسماً بالله اللي هيقربلها لاشيله من فوق وش الأرض».
«لو 10 مليون صبّحوا على مصر بجنيه واحد يعني في السنة 4 مليارات»

ردد الرئيس المصري المفردات نفسها التي استخدمها من قبل في كلماته بأنه لن يسمح بسقوط الدولة تحت أي مسمى، مستطرداً بالحديث عن إنجازاته في رصف الطرق وتوفير الزيادة اللازمة من الميجاوات الكهربائية لسد العجز في الطاقة، ولكنه تجاهل الزيادات التي فرضت على أسعار الكهرباء، والمشكلات المستمرة بسبب ارتفاع فواتير الكهرباء بصورة أكبر من الطبيعي لدى مئات الآلاف من أبناء شعبه. كذلك كرر حديثه عن احتياجات البلاد من مياه الشرب ومحطات المعالجة التي يجري إنشاؤها بالإضافة إلى التفاوض مع إثيوبيا حول «سد النهضة» وطريقة ملء بحيرة الخزان خلال السنوات المقبلة بما لا يضر المصالح المصرية.
ثقة السيسي وحديثه عن إنجازاته لم يأتيا متماشيين مع استطلاعات الرأي والتقارير الأمنية التي قدمت إليه خلال المدة الماضية، وتؤكد تأكل شعبيته في الشارع بصورة ملحوظة، خاصة أن الإعلام بدأ يتجاوز انتقاد الحكومة وانتقاد الرئيس الذي كان حتى وصوله إلى السلطة في حزيران 2014 منقذ مصر ومخلصها الأوحد من الإرهاب، الذي لا يزال حتى الآن يضرب في شمال سيناء ولم ينجح في القضاء عليه هذا الرئيس الآتي من خلفية عسكرية، بل لم يقدم أي آليات لتنفيذ استراتيجية التنمية التي قال إنه أطلقها أمس.
ودافع «الجنرال» عن التفريعة الجديدة التي افتتحها في قناة السويس في آب الماضي ونفذت خلال عام واحد وحمّلت الاقتصاد المصري أعباءً مالية، في وقت تعاني فيه البلاد تراجعاً ملحوظاً، مؤكداً في الوقت نفسه أنه فضل إنشاءها في عام واحد فقط بدلاً من ثلاثة أعوام كما رأت «غالبية السياسيين لإعطاء الأمل مجدداً للمصريين»، وذلك رداً على الانتقادات المتصاعدة ضده بارتكاب خطأ اقتصادي جسيم أثر سلبياً في الاقتصاد وخفض سعر الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي في ظل تباطؤ نمو التجارة العالمية وغياب عوائد فورية من المشروع العملاق.
رفض السيسي، أيضاً، الاتهامات التي أطلقها مسؤول لجنة الشباب في حملته الانتخابية، المهندس حازم عبد العظيم، عن ترتيب الفائزين في الانتخابات البرلمانية قبل إجرائها، مؤكداً أن البرلمان جاء «بإرادة شعبية ونصف نوابه تقريباً يشاركون للمرة الأولى في الحياة النيابية»، ودافع ضمنياً عن قانون الخدمة المدنية الذي رفضه البرلمان خلال المناقشات، وكان يمكّن الحكومة من الاستغناء عن آلاف الوظائف بالإضافة إلى خفض العلاوات السنوية وتحديدها.
وبرغم رغبة عدد ليس قليلاً من نواب المجلس المنتخبين في إقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة تتولاها شخصية أكثر فعالية وحركة بالشارع، أكد السيسي أنه اكثر شخص على دراية بأداء الحكومة، قائلاً: «انتوا هتعرفوا الحكومة اكثر مني؟ انا بقعد معاهم كل يوم وعارف خططهم ايه للمستقبل وعارف شغالين ازاي»، ومشدداً على أنه في حال تشكيل حكومة جديدة ستدخل الدولة في دوامة.
كذلك طالب الجنرال الإعلام بالتوقف عن مهاجمة الحكومة وأدائها، لأنها «لن تستطيع العمل تحت الضغط والهجوم»، مشيراً إلى أن الدولة تواجه تحديات عديدة في ظل تجاوزات من بعض الجهات التي يجري التعامل معها، في إشارة إلى الجرائم الأخيرة التي ارتكبها أمناء شرطة.
كذلك حملت كلمة السيسي إقراراً للمرة الأولى بأن الطائرة الروسية أسقطت، حينما قال إن من فعل ذلك هدفه ضرب العلاقات المصرية ــ الروسية، وليس قطاع السياحة فقط، مضيفاً أن من أسقطها لو استطاع لضرب العلاقات المصرية مع الجميع لتبقى البلاد معزولة.
وهذا أول اعتراف رسمي من مصر بأن الطائرة أسقطت، بعدما أعلنت موسكو أن الطائرة أسقطت بفعل انفجار قنبلة، لكن القاهرة كانت تصر على أنه لم يظهر دليل يثبت ذلك.
إلى ذلك، تعهد رئيس الوزراء، شريف إسماعيل، أن تكون مصر من بين أفضل 30 دولة بعد 15 عاماً، مشيراً إلى أن نسبة البطالة بين الذكور تصل إلى 27% وبين الإناث إلى 44%، فيما أكد وزير التخطيط، أشرف العربي، أن صياغة استراتيجية التنمية المستدامة التي اعتمدتها الحكومة شارك في بنائها الآلاف من الشباب.
محافظ البنك المركزي، طارق عامر، أكد من جهته، أنه تم توجيه عدة قطاعات للمساهمة في التنمية الاقتصادية عبر المشاركة في المشروعات الصغيرة بقروض وفوائد ميسرة للشباب، وهو نتيجة «دراسة تجارب عدد من الدول الأخرى التي يكون 90% من ناتجها القومي من المشروعات الصغيرة».