تضع الحكومة المصرية نصب أعينها الحصول على قرض صندوق النقد الدولي المقدرة قيمته بـ 4.8 مليارات دولار، موحيةً عبر تصريحات مسؤوليها أن القرض الذي ستبدأ المفاوضات حوله اليوم، هو الفرصة الوحيدة المتاحة لخروج مصر من أزمتها الاقتصادية.
لكن الحصول على قرض الصندوق يبدو أمراً غير مضمون أو على الأقل من غير المحسوم ما اذا كانت مصر ستناله كاملاً أو تخفض قيمته، بعد التلميحات التي أطلقها أمس مدير الصندوق للشرق الاوسط وآسيا الوسطى مسعود احمد، بقوله إن قيمة القرض الذي يجري التفاوض عليه مع مصر قابلة للمراجعة بحسب حاجات البلاد. وفيما لم يحدد المسؤول ما اذا كان المبلغ سيرتفع أو يخفض عن المبلغ المحدد مسبقاً بـ4,8 مليارات دولار، يبدي وزير المالية المصري المرسي السيد حجازي، تفاؤله بامكانية التوصل الى نتيجة في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول القرض بحدود نهاية الشهر الحالي، لافتاً إلى أن بلاده تتفاوض مع صندوق النقد العربي حول قرض بـ465 مليون دولار.
لكن ماذا عن الحلول الأخرى التي بامكان السلطات المصرية اللجوء إليها لتأمين موارد مالية غير الاقتراض؟ مما لا شك فيه أنها متعددة، ومن بينها استعادة الأموال المصرية المهربة إلى خارج من قبل رجال حسني مبارك والمقدرة بملايين الدولارات. لكن جدية الحكومة المصرية في المضي قدماً في هذا الخيار تبدو موضع شك. «عند مقارنة استعادة الأموال الليبية بعد سقوط معمر القذافي، الحاكم السابق لليبيا، بمحاولات استعادة الاموال المصرية، يظهر تباين شديد ومعايير مزدوجة في التعامل مع هذين الملفين» من قبل الدول التي هربت إليها الأموال. هذا على الأقل ما تراه المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في تقريرها، الذي اطلقته قبل أيام، حول امكانيات استعادة اموال نظام مبارك المهربة. وأوضح التقرير أن الحكومة البريطانية، التي تعتبر على رأس الدول التي يفترض أنها تضم اصولاً واموالاً مهربة من قبل مقربين من نظام مبارك بخلاف اسرته نفسها، كانت قد اعلنت في آذار 2001 عن تجميد ملياري جنيه استرليني من أموال 26 شخصية ليبية منتمية لنظام القذافي قبل سقوط نظامه برغم انتفاء أي حكم قضائي أو حتى دليل او اتهام من اي طرف في الدولة الليبية بأن تلك الاموال قد جمعت بطريق غير شرعي بعكس الوضع المصري. وترى المبادرة المصرية أن غياب الارادة السياسية يشكل عائقاً اساسياً يحول دون استعادة تلك الأموال. وهي ارادة لا ترتبط فقد بالارادة السياسية للدولة التي هُربت إليها الاموال، بل هي كذلك الارادة السياسية لمصر نفسها. وأبرز مثال على ذلك، هو التناقض الذي يرصده الباحث في وحدة العدالة الاجتماعية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أسامة دياب، بين مساري تعقب الاموال المصرية المهربة خارج البلاد من ناحية والتصالح في الجرائم المالية مع رموز نظام مبارك ورجال الاعمال المقربين منه، وخصوصاً أن التصالح يصرف النظر بالضرورة عن محاولة استعادة الأموال المهربة للخارج، والاكتفاء بالاصول أو الحسابات المصرفية التي تركوها داخل البلاد. ونبه إلى أن خطورة التجربة التونسية في هذا الصدد، اذ تضمنت مطالبة الدول الغربية بوقف قرارات تجميد اصول عدد من المقربين من نظام الرئيس (المخلوع زين العابدين بن علي) بعد اتمام صفقات التصالح معهم مقابل رد جانب من الاموال التي شابها الفساد. وهو وضع يشبه إلى حد بعيد ما تقدم عليه مصر في الآونة الأخير.
ولمحاولة التصدي لهذا الأمر، توصي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بتشكيل لجنة مستقلة عن الجهة التنفيذية لا يتغير اعضاؤها وعملها بسبب التغييرات الوزارية او الاضطرابات السياسية التي لا تتوقف، وخصوصاً أن اللجان التي تنتمي لوزارة العدل وحتى وزارة الخارجية تعوق عملية استرداد هذه الأموال. عضو مجلس الشورى، عاطف عواد، أراد مواكبة هذه التوصية، فأعد مشروع قانون بتشكيل هيئة جديدة مستقلة للاشراف على مهمة استعادة الأموال المصرية المهربة، على أن «تسترد الاموال والاصول لصالح حساب خاص ينشأ لتلقي هذه الأموال لا استعادته لصالح لجهات الأصلية التي فرطت بهذه الأموال في ممارسات فاسدة قبل الثورة، ولا يوجد دليل على عدم تكرارها للأمر».
يحيي جلال، وهو رئيس جهاز الكسب غير المشروع التابع لوزارة العدل، وشغل اللجنة التي أسسها المجلس العسكري ابان فترة حكمة للبلاد لاستعادة الاموال المهربة، رفض الرد على سؤال من «الأخبار» حول اجمالي حجم الاموال التي نجحت الحكومة المصرية في استعادتها او تلك المجمدة على الاقل.
وفي حين تتلكأ السلطات المصرية عن متابعة الأموال المهربة، أوضح سام جروت سميث، سكرتير أول الشراكة مع العالم العربي في السفارة البريطانية في القاهرة، لـ«الأخبار» أن القانون البريطاني لا يشترط لتجميد الأموال أحكاماً نهائية «بل تكفي مجرد أدلة على أن تلك الأموال قد جمعت بطريق غير شرعي»، في حين أن «اعادة تلك الأموال تحتاج الى حكم ادانة نهائي». ومع ذلك اعترف سميث بأن جملة ما جمدته بريطانيا من الأموال المصرية المهربة لديها لا يزيد على 85 مليون جنيه استرليني. وفي حين أكد أنه لا يملك تصوراً للحجم الاجمالي لتلك الاموال أصلاً، الا أن المبادرة المصرية لحقوق الانسان تنقل عن «غلوبال فايناشيال انتيغريتي»، وهي منظمة دولية تعمل على مكافحة الفساد، تقديراً لحجم الاموال المهربة في عصر مبارك يصل الى نحو 132.28 مليار دولار.