على مدى اليومين الماضيين، كانت الإسكندرية على موعد مع حدث أعاد التذكير بتجذر فكرة الثورة والتشابك بين النشطاء ممن أطلقوا شرارتها، عبر التعاضد الذي حدث بعد إلقاء القبض على 14 منهم من قبل قوات قسم شرطة الرمل أول في المحافظة عليهم، بتهمة محاولة اقتحام القسم والتعدي على الضباط وسبّهم وتعطيل سير المرور والعمل، أثناء احتجاجهم على تعدّ على زملاء لهم من المحامين ذهبوا لتقصي حقيقة القبض على أحد النشطاء واتهامه بمحاولة التعدي على حزب الحرية والعدالة.
لكن أبرز ما في هذا الحدث هو حجم الانتفاضة، التي حدثت على مدى القطر المصري بأكمله عقب ذيوع خبر أن من بين المقبوض عليهم، الناشطة والمحامية ماهينور المصري. حتى إن العشرات من الشخصيات العامة والحقوقية قد انتفضت منذ القبض عليها مع زملائها فجر السبت الماضي وحتى إخلاء سبيلهم مساء السبت.
غيفارا البنات
«ما نتكلم عنه بشكل أساسي هو قوة الشعب. الشعب الذي أجبر أكبر ديكتاتور في المنطقة على أن يتنحى، حيقدر على الأقل أن ينتزع مطالبه كاملة»، بهذه الكلمات كانت دائماً ماهينور تلخص أفكارها في أي مسيرة في عصر ما بعد الثورة المصرية. دائماً ما كان تعويلها على الشعب والطبقات العاملة والجموع من الجماهير التي راهنت عليها مع غيرها في تفجير الغضب ضد نظام حسني مبارك، وكسبت الرهان. فهي ترفض فكرة المخلص، ومن ثم لا يهم من على رأس السلطة حمدين صباحي أو محمد البرادعي أو محمد مرسي أو حسني مبارك أو من يأتي مكان من، فالمهم لديها هو حركة الجماهير التي تفهم حقوقها انتزعتها في حقها في الثروة والسلطة.
لذا لم يكن غريباً أن تجدها متنقلة تبشر بهذه الأفكار من الإسكندرية إلى القاهرة إلى المحلة إلى طنطا إلى كفر الدوار. دائماً كان المراقب يجدها في صدارة المشهد الاحتجاجي دفاعاً عن حرية النشطاء وحقوق العمال وحرية الرأي والتعبير. تقود الهتاف ويردده خلفها مئات الرجال والشباب، مشتركةً في أي فاعلية بدءاً من وقفة صامتة وحتى الاشتباكات العنيفة.
ماهينور، التي تتضايق من تسليط الضوء عليها أو على أشخاص معروفين ومشهورين مقابل تجاهل العشرات والمئات من الجنود المجهولين الذين كانوا وقوداً للثورة والتغيير، بدأت أولى خطواتها في النضال بتظاهرات حركة كفاية في آب 2005 بشارع سعد زغلول بوسط الإسكندرية. وكان الدافع لها حينذاك هو «الشعور بحجم الظلم الذي يتعرض له النشطاء السياسيون من تنكيل جعل بعضهم يسير كمجاذيب في الشارع».
لكن هذا الأمر لم يثنها لتستمر في طريقها رغم اعتراض والدها عليه حتى وفاته. مساندة والدتها لها وإيمانها بما تقوم به دفعها لتقوم بدور التغطية على نشاطها، بينما كانت ماهينور تستلهم من تاريخ عمتها النضالي وتعاضد أصدقاءها في حركة الاشتراكيين الثوريين، حتى تستطيع مواجهة التضييقات الأمنية والعقبات الاجتماعية. نتيجة هذا النشاط لم يكن مستغرباً أن يتوّج بالقبض عليها أول مرة في تموز عام 2008 على خلفية اجتماع مع حركة 6 أبريل، التي كانت لا تزال وليدة في ذلك الوقت، وأفرج عنها بعد 9 ساعات. وتوالى بعد ذلك اعتقالها في أقسام الشرطة 3 مرات خلال عام 2010، ورغم ذلك فهي ترى أنه ليس أصعب ما تعرضت له. فبرأيها أن «المعارك التي تخاض أمام الأسرة سواء أسرتها أو أسر غيرها من الفتيات لإقناعهن بأن الفتيات لهن دور ميداني في التغيير ومحاربة الفساد والظلم ومواجهة سيل العبارات النابعة من العادات والتقاليد التي يتسلح بها الأهل أثناء النقاش هو من أصعب المعارك اليومية التي تخاض بالنسبة إلى الفتاة».
ماهينور تشدد على أن الفتاة المصرية قادرة على إدهاش الجميع بما لا يتوقعنه في جميع المجالات، طالما أتيحت الفرصة لها وها قد أتيحت لها المشاركة في الثورة وقد أثبتت كفاءة منقطعة النظير، سواء في الهتاف أو إسعاف الجرحى أو التوثيق الإعلامي خلال أيام الثورة أو قبلها أو بعدها.
ولأن ماهينور قادمة من أسرة تقع في الطبقة الوسطى العُليا، كان سؤال بديهي يطرح نفسه حول الدافع لاختيارها هذا الطريق، إلا أنها ترى أن «الرفاهية في العيش بالنسبة إلى الفتاة دافع للتحرك وليس العكس؛ فبما أننا نملك أكثر وفي وضع أفضل فهذا يحملنا المسؤولية بشكل رئيسي لأننا نملك رفاهية التحرك».
أما أبرز المكاسب التي حققتها الثورة حتى الآن من وجهة نظرها فهو «إقناع المواطنين البسطاء بأن المطالب السياسية تؤثر على تحسين أوضاعهم المعيشية».