نيويورك | بين الطلب السوري والمناورة الفرنسية ـ البريطانية المدعومة من الدول الغربية، يواصل الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، السير بخطى حذرة ترمي من جهة إلى التحقيق في المزاعم حول استخدام أسلحة كيميائية في النزاع الدائر هناك، ومن جهة أخرى إلى حصر وجود الأسلحة وتحديد أماكنها ومدى سلامتها، وسلامة المنطقة من خطرها.من خان العسل إلى دمشق المسافة طويلة تُقاس بمئات الكيلومترات. وإذا أعطيت بعثة التحقيق الدولية الفنية العتيدة حرية حركة «من دون قيود» كما طلب بان، فإنها لن تكون مختلفة عن بعثة «أنموفيك» الشهيرة في العراق التي قادها هانس بليكس. بعثة لم توفر قصراً أو غرفة نوم للرئيس العراقي السابق صدام حسين، لم تزرها بغتة. وانتهى بها الأمر إلى فشل ذريع، وتعتيم على وثائقها التي دفنت لمدة ستين عاماً في نيويورك بعد الفشل في إثبات أسباب الحرب التي شنت ظُلماً على العراق في عام 2003.
في اللعبة الجديدة تبدو الدول التي لديها مصلحة وأهداف معلنة بإسقاط النظام في دمشق رافضة لإدانة المعارضة السورية إذا كانت قد استخدمت أسلحة كيميائية، بل إن مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، اتهم صراحة أطرافاً عربية، على رأسها قطر ودول غربية، بجلب الأسلحة الكيميائية من ليبيا واستخدامها في سوريا.
ورفضت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة 8 مرات مجرد إدانة عمليات انتحارية في دمشق وحلب في بيانات قُدمت إلى مجلس الأمن الدولي حتى لو كانت «جبهة النصرة» التي تصنف أميركياً بأنها إرهابية، هي التي نفذتها.
أما الحكومة السورية، فلا تريد أيضاً أن يتجاوز التحقيق حدود خان العسل ويصل إلى مستودعات السلاح السرية، وخصوصاً في هذه الظروف الحربية المتأزمة الراهنة، لكن الأمين العام للأمم المتحدة الذي تلقى الطلبات من هذا الطرف ومن ذاك، سيعمل على إرضاء الجميع في مهمة تبدو مستحيلة.
الأمانة العامة للأمم المتحدة شرحت مجرى عملها بعد الطلب السوري بإرسال بعثة للتحقيق بناء على رسالة بعثتها سوريا إلى الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، إثر الهجوم الذي وقع في خان العسل، الواقع في محافظة حلب في 19 من آذار الحالي. إثر موافقة الأمين العام المبدئية على الطلب الروسي، أرسلت الأمانة العامة رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الماضي تخطره فيها بقرار إجراء التحقيق. وأوضح الأمين العام في تلك الرسالة أنه تلقى رسالة الطلب السوري وردّ عليها.
كذلك تلقى طلباً آخر من الحكومتين الفرنسية والبريطانية حول حوادث أخرى. وأشار بان إلى أن حكومات أخرى إما كتبت إليه أو أصدرت بيانات علنية تدعوه إلى إجراء تحقيق في مزاعم تتعلق باستخدام المواد الكيميائية في سوريا. ومن هذه الدول، التي لم يسمها الأمين العام بالاسم، أستراليا التي تحتل مقعداً غير دائم في مجلس الأمن الدولي، والولايات المتحدة وألمانيا وكندا وإسرائيل.
وفي رسالته إلى رئيس مجلس الأمن الدولي فيتالي تشوركين، قال بان إنه طلب من الحكومات السورية والفرنسية والبريطانية تقديم المزيد من الإيضاحات بشأن الحوادث التي نقلت إليه. وعلل أسباب الطلب بأن تلك الإيضاحات «ستكون حاسمة في تحديد مرجعيات البعثة، وأفق عملها في التثبت من استخدام السلاح الكيميائي في سوريا».
كذلك كتب الأمين العام إلى مدير منظمة حظر استخدام السلاح الكيميائي وإلى المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يبلغهما على نحو رسمي قراره ويشكرهما على تأييدهما له.
وكانت المفوضة السامية لمجلس حقوق الإنسان في جنيف نافي بيلاي قد أعلنت أيضاً يوم الجمعة الماضي دعمها إرسال فريق التحقيق وتأييدها له واستعداد المجلس للمشاركة في التحقيق. وهو ما لا ترحب به الحكومة السورية.