تتألف الدراسة من مقدمة تتحدث عن ضرورة الاستمرار في الحراك السلمي، باعتباره العمل الأرقى والأجدى للوصول إلى أهداف المعارضة. ثم تستعرض المراحل التي مرّ بها الحراك العسكري والسياسي في سوريا منذ بداية الأحداث حتى بدايات هذا العام، مع تسجيل ملاحظاتها بخصوص ما يجب فعله وأين تكمن نقاط الضعف والقوة في «الثورة السورية».
الجزء الأول من الدراسة يقع تحت عنوان «الخريطة السياسية للحراك». وجاء فيه أنّ «الحراك يتكون من عدة تنسيقيات في كلّ محافظة، تسمى هذه التنسيقيات باسم المناطق: مثلاً في دمشق هناك ١٤ تنسيقية (القدم - العسالي - الميدان - الزاهرة - المزة، إلخ...). ومجموعة هذه التنسيقيات تسمى مجلس قيادة الثورة في المحافظة (مثال: مجلس قيادة الثورة في دمشق). وفي سوريا، في كلّ محافظة منها مجلس لقيادة الثورة (دمشق، ريف دمشق، درعا، السويداء، حمص، دير الزور، اللاذقية، ادلب، القامشلي، الحسكة، حماه والرقة).
اجتمعت هذه المجالس في المحافظات بمجالس قيادات الثورة في سوريا تحت اسم «اللقاء الوطني لقوى وتنسيقيات ومجالس الثورة في سوريا»، وهي كلها تجمعات حركية وسياسية لحراك الداخل. وإلى هذه التجمعات الآنفة، نشأت تجمعات أخرى ضمن الحراك السياسي في الداخل:
«هيئة التنسيق الوطني» وضمت مفكرين وسياسيين ومعارضين تقليديين. وحركة «معاً» (ائتلاف وطني) وتشتمل على تجمعات معارضة من الأقليات والطوائف. والهيئة العامة للثورة السورية (وهي صوت الحراك الإعلامي في الخارج). واتحاد التنسيقيات (أيضاً صوت إعلامي في الخارج).
أما حراك الخارج، فتجسّد على نحو رئيس من خلال الأطر التالية: المجلس الوطني، تيار عماد الدين رشيد، تيار عمار القربي ـــ حزب الإخوان المسلمين.
وقدمت الدراسة مجموعة من الملاحظات على آلية عمل هذه الهيئات، وقسمتها على النحو الآتي:
الترابط والاجتماع بين أطراف الحراك السياسي في الداخل ضعيف. ومجالس قيادات الثورة في المحافظات لا تجتمع على نحو دوري، وليست على نهج واحد وتحرك متفق عليه، فبعضها مرتبط بالهيئة العامة للثورة السورية، وبعضها الآخر مرتبط بالمجلس الوطني، وبعضها الثالث مرتبط بالإخوان والرابع بالسلفيين. وهيئة التنسيق الوطني ليست مرتبطة بالحراك الشعبي أو بالتنسيقيات، بل تتحرك بفكر سياسي مستقل، وليست مرتبطة بالمجلس الوطني أو أي تجمعات أخرى في الداخل أو الخارج.
الهيئة العامة للثورة السورية واتحاد التنسيقيات لا يدعمان المجلس الوطني أو تجمعات أخرى في الخارج أو هيئة التنسيق، لكنهما يدعمان الحراك والتنسيقيات اعلامياً وإدارياً ومادياً، وهما من يسمّيان «الجمعة» (يوم التظاهرة الأسبوعية) يصدّران أخبار الحراك لوسائل الاعلام ويوثقان أفعال النظام وعدد الشهداء وعدد الجرحى، ويديران شبكة شام الاخبارية، وصفحة الثورة السورية. ووصل عدد الحراكات إلى ذروته في أحد أيام الجمعة، فبلغ ٨٠٠ تظاهرة. والمشاركون فيها هؤلاء يمثلون نسبة ٢٥% من سكان سوريا، بينما نسبة الحراك في مصر كانت ٥ بالمئة.
الخريطة العسكرية للحراك
تشكلت بدايةً في بعض المناطق مجموعات عسكرية تابعة لمجلس قيادة الثورة في المحافظة، سميت الجناح العسكري ومهمتها حماية الثورة السلمية (وخاصة في درعا وإدلب وحمص).
لكنّ هذه المجموعات تحولت، بعد تلقي الدعم المادي الكافي إلى «كتائب عسكرية» وأطلقت على نفسها أسماء، أبرزها كتيبة الفاروق في حمص بقيادة الملازم أول عبد الرزاق طلاس، وكتيبة الأمين في ادلب، وكتائب الصحابة في ريف دمشق.
وكان قد ظهر الجيش الحر عندما انشق العقيد رياض الأسعد وأعلن تأسيسه، وتبنى اعلامياً عمليات الكتائب في الداخل. في المقابل فإنّ الكثير من كتائب الداخل أيدت الجيش الحر، ووافقت على تبنيه الإعلامي لعملياتها، لكن بعض الكتائب الأخرى والمجموعات المسلحة عملت على نحو مستقل ودون تواصل أو انضواء تحت راية الجيش الحر. وفي هذه الفترة ازداد تشكيل الكتائب والألوية والمجموعات العسكرية في الداخل، نظراً إلى تعاظم نسبة التمويل بالمال والسلاح. ومنذ تلك اللحظة تحوّل معظم الحراك السلمي إلى حراك عسكري، حيث ظهر لواء الاسلام ولواء سيف الشام وكتائب أحفاد الرسول وكتائب الفرقان، إلخ... إضافة إلى مجموعات مسلحة تنتمي إلى قائدها ومؤسسها دون تسمية.
وبعد انشقاق اللواء مصطفى الشيخ، تشكل المجلس العسكري الأعلى، وأبرم تسوية مع الجيش الحر أثمرت ولادة «المجلس العسكري الأعلى للجيش الحر». واقتصرت نشاطاته في الخارج على النشاط الإعلامي وتأمين الدعم الدولي والإقليمي والتواصل مع قوى الثورة الأخرى في الخارج.
وظهر في نفس الوقت تقريباً، داخل سوريا، إطار أطلق على نفسه «المجلس الأعلى في حمص» تحت قيادة العقيد قاسم سعد الدين، ووحّد الكتائب العسكرية في حمص وريفها، وأعلن عدم انضوائه تحت راية المجلس العسكري في الخارج بقيادة رياض الأسعد، كما أعلن أنّ القادة في الخارج ليس لهم أي ارتباط بالجيش الحر والمجلس العسكري في الداخل.
واقتداءً بما حدث في حمص تأسّس المجلس العسكري في ادلب ودرعا ودمشق وريفها وحماه ودير الزور، وجرى تعيين العقيد قاسم سعد الدين رئيس القيادة المشتركة للجيش الحر ورئيس للمجلس العسكري في حمص وريفها.
كذلك قامت مجموعة من الكتائب والمجموعات المسلحة في الشمال السوري بتشكيل ما يسمى «كتائب أحرار الشام» المؤلفة من كتائب في دير الزور، القامشلي، الحسكة، البوكمال، حلب وريفها وريف اللاذقية. وجميعها غير مرتبط بالجيش الحر أو بالمجلس العسكري. واتسعت لاحقاً لكتائب أحرار الشام، وضمت لها عدداً أكبر من الكتائب والفصائل المسلحة وصولاً إلى دمشق وريفها وسمت نفسها «جبهة ثوار سوريا»، وأعلن عنها أبو حذيقة من تركيا في الشهر السابع من عام ٢٠١٢، وأعلنت قيادة عسكرية وسياسية ومجلساً استشارياً شرعياً.
ثم ظهر بالتزامن، في الكثير من المحافظات (ومنها ريف دمشق)، إطار أخذ يتكاثر ويزداد قوة هو جبهة النصرة المصنّف على أنه ذراع للقاعدة. وكانت في هذه الأثناء تظهر وتختفي مجموعات مسلحة «ضخمة» لا تحمل مسمى، وخاصة في حمص وريف دمشق ودرعا واللاذقية. والسمة المشتركة بينها أنها غير مترابطة مع بعضها بعضاً، وليست موحدة.
أين الحراك السلمي
انحسر نشاط الحراك السلمي في جميع المحافظات، ولم يعد يتعدى الخمسين تظاهرة في كل سوريا خلال أيام الجمعة، فيما توقفت على نحو تام بقية أيام الأسبوع. والكثير من ناشطي الحراك السلمي تحولوا للانخراط في الحراك العسكري أو السفر خارج سوريا للعمل.
ويقف الحراك السلمي اليوم متفرجاً ومراقباً الساحة، بعدما سيطر عليها العمل العسكري، وهو لا يعلم ما مصير ونتائج العمل العسكري، ولا يستطيع أن يقدم إليه سوى الدعم الإعلامي. وبات ثمة تقويم لدى طيف واسع من تيار الحراك السلمي أنّ دوره لم يعد مجدياً، تاركاً الساحة للحراك العسكري. ومعظم ناشطي الحراك السلمي توجهوا إلى العمل الإغاثي، وخاصة في مجال إغاثة العائلات النازحة من مناطقها المدمرة.
سمات الحراك العسكري
تدرج الوثيقة الداخلية الخاصة بمجموعة من التنسيقيات ذات الخيار السلمي الملاحظات الآتية في تقويمها للحراك العسكري:
_ يقوم الحراك على نحو روتيني يومي بالاشتباك مع النظام، من دون خطة عسكرية واضحة المعالم (كر وفر)، ويسيطر على منطقة ثم يقوم النظام بعد فترة باستردادها. ولا يملك الحراك العسكري أيّ رؤية أو تسوية سياسية مع النظام أو حتى مبادرة للتفاوض معه حول شروط إيقاف العمل العسكري، أو أي رؤية لمتحد وطني. وليس هناك توحد كامل للعمل العسكري بين هذا العدد الكبير من الكتائب والألوية العسكرية، وليس هناك راية قيادة عسكرية واحدة ينضوي تحتها الجميع وينصاع لقيادتها. وينتشر الحراك العسكري في الجزء الأكبر من المناطق السورية، لكن ليس بمعنى السيطرة بل الحضور في هذه المناطق وإمكانية قيامه بالعمليات والاشتباكات العسكرية ضد النظام، وإمكانية السيطرة الجزئية على بعض المناطق مثل ادلب وحلب وريف دمشق.
_ الحراك العسكري قام بالعديد من عمليات خطف العاملين في النظام، ومحاكمتهم أو مبادلتهم. وهذا بات يسبّب الذعر لدى العاملين والموالين للنظام. ولا يستفيد الحراك العسكري من الحراك السلمي الذي فجر الثورة واستمر فيها سنة ونصف سنة، كما لا يبادر إلى تفويض الحراك السلمي بالعمل على وضع أفق سياسي للثورة، أو العمل على تجهيز وتشكيل مجلس انتقالي يكون مستعداً للمرحلة المقبلة.
(بعد غد: قصة غزوة دمشق)



لا دعم مالياً «للسلميين»

انعدم تقريباً الدعم المالي للحراك السلمي، نظراً لعاملين: الأول هو تحوّل معظم الدعم المالي إلى الحراك العسكري. والعامل الثاني هو سفر معظم التجار والمتموّلين الذين كانوا يدعمونه إلى الخارج، وبعض هؤلاء تحوّل إلى تمويل الحراك العسكري.
هناك أزمة داخلية في الحراك السلمي، وهو أنه لا يملك أيّة رؤية استراتيجية واضحة للخروج من أزمته أو لانتاج رؤية تسوية للأزمة السورية. كلّ الموقف الذي يتبنّاه حالياً هو ترقّب حصول مبادرة دولية ما، ترغم النظام على قبول التسوية السياسية للوضع، أو أن يقوم النظام الدولي بالتدخّل في تبنّي الحراك العسكري ودعمه لإنهاء حكم النظام في دمشق.