يافا | يشهد «دوار الساعة» المعروف منذ النكبة بـ«دوار الشهداء» في يافا، مولداً جديداً كل يوم. فهناك، منذ أربعين يوماً، تولد فيه صرخاتنا وغضبنا تمام الساعة السادسةِ مساءً. فقد قررت «حركة الشبيبة اليافاوية» بالتعاون مع مجموعات شبابية ناشطة ومستقلة، أن تتضامن يومياً وتعتصم اعتصاماً مفتوحاً من أجل الأسير البطل «سامر العيساوي» المضرب عن الطعام منذ أكثر من 230 يوماً ورفاقه في سجون الاحتلال. ويافا الجميلة كانت تحتلّ دوراً مهماً ومكاناً خاصاً في فلسطين التاريخية كلها ما قبل عام 1948. فقد كانت المركز الاقتصادي والثقافي الأقوى من بين مدن فلسطين الكبيرة، وذلك لموقعها الاستراتيجي وتاريخها العظيم وكثافة سكانها، حيث إنها إحدى بوابات فلسطين التي تربطها بدول حوض البحر المتوسط، فضلاً عن أنّ ميناءها من أقدم موانئ العالم إلى ما بعد النكبة بقليل، بالإضافة إلى حقيقة احتوائها على أهم دور السينما والمسارح ودور النشر والطباعة وأهم الصحف والمجلات الفلسطينية آنذاك.
بعد نكبة عروس البحر وتهجير أهلها للشتات (الذين كانوا نحو ثمانين ألف نسمة يومها، وأصبحوا حالياً ما يقارب 3000 ــ 5000 نسمة فقط)، مرّت البلد بتغيّرات كثيرة، ابتداءً من محو معالمها التاريخية، حتى ضمّها إلى مستعمرة «تل أبيب» اليوم، أسرلة سكانها وخلق صراع في تحديد الهوية، اعتباراً بالحياة الثقافية الإسرائيلية واللغة العبرية للمدن المحيطة بها. فكما هو معروف، «تل أبيب» (تل الربيع) هي من أهم المدن في فلسطين المحتلة، ونمط حياتها يشبه إلى حد كبير «كما يقولون» ذلك النمط في مدينة نيويورك، سواء في الحياة الليلية أو سرعتها في التطور، أو كونها «المدينة التي لا
تهدأ».
لم يكن سهلاً على أبناء يافا، بناتها ونشطائها، بناء قلعة وطنية من جديد تحتضن قضيتهم الوطنية، أمام المركبات العديدة التي تواجههم حتى الآن. لكن رغم كل هذه الصعوبات، قامت حركة الشبيبة اليافاوية منذ سنتين تقريباً، بمحاولة رفع مستوى الوعي السياسي والاجتماعي في يافا من خلال فعاليات عديدة أنتجتها وروجت لها.
أما اليوم، فتشهد مدينة يافا وجوداً واضحاً وفرضاً لكيانها الفلسطيني؛ ففي أربعين يوماً متواصلة، وحتى إشعار آخر، رفعت خلالها سقف نضالها وسجلت في تاريخها رغم التعتيم الإعلامي المحلي على نشاطنا هذا، أنْ لا صوت أعلى من صوت الشارع، ولا طعام أشهى من الماء والملح.