رغم الطابع الاحتفائي بزيارة الرئيس الاميركي باراك أوباما الى اسرائيل، وتأكيده على أمنها ودعمها وحمايتها، إلا أن قراره عدم القاء كلمة في الكنيست، وتفضيل خيار الحديث المباشر مع الجمهور الاسرائيلي، بما يرمز اليه ذلك من التفاف على القيادة السياسية يأتي تطبيقاً لقاعدة أميركية في التعامل مع اسرائيل مفادها انه ينبغي «اعانتها على نفسها» من خلال «منعها من مواقف وخطوات تؤدي الى الاضرار بها»، بفعل رؤى وتقديرات وخلفيات متداخلة.
توجه أوباما في كلمته، في «مباني الأمة» في القدس المحتلة، الى المئات من الطلاب الجامعيين وعبرهم الى الجمهور الاسرائيلي، داعياً اياهم إلى الضغط على القيادة الاسرائيلية لتحقيق السلام، مشيراً الى أن اسرائيل أمام «مفترق طرق»، وينبغي أن تختار السلام مع الفلسطينيين، مؤكداً على أن ذلك هو الطريق الوحيد لتحقيق أمن اسرائيل، في ضوء «الواقع الديموغرافي القائم غربي نهر الاردن»، ومشددا على ان بقاء اسرائيل كدولة يهودية ديموقراطية، يتم فقط عبر اقامة دولة فلسطينية.
وبالنسبة لأهمية إقامة هذه الدولة، رأى أوباما أن التغييرات التي يشهدها العالم العربي تجعل السلام ضرورياً أكثر. وتابع أنّ الاحتلال ليس الرد، وانما يجب بذل كل جهد لتحقيق حل الدولتين للشعبين. ولفت الى أن استمرار النشاط الاستيطاني سيعود بالضرر على هذه الجهود. وأشار الى أن الطريق الوحيد للدفاع عن اسرائيل بأن لا يكون هناك حرب، لافتا الى أن أي «قبة حديدية وأي جدار لا يستطيعان الدفاع عن اسرائيل من كل اعدائها».
وقال أوباما إن على الفلسطينيين أن يعترفوا بإسرائيل دولة يهودية وعلى إسرائيل أن تدرك ان استمرار النشاط الاستيطاني يعوق فرص السلام، وقد حان الوقت لكي تطبع الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل، «وإسرائيل هي الدولة الأقوى في المنطقة ولديها دعم أقوى دولة في العالم». ووجه كلمته للشباب الاسرائيلي «ما دامت الولايات المتحدة موجودة فلستم وحدكم وإسرائيل لن تزول أبداً». وأشار الى أن «رحلة وعد دولة إسرائيل مستمرة منذ النبي موسى، وبالتالي إسرائيل متجذرة في التاريخ ومن حقها الحرية في أرضها».
وتوجه أوباما الى الجمهور باللغة العبرية مرتين في خطابه، مشدداً: «أنتم لستم وحدكم». وانتقد تلميحاً، الاتحاد الأوروبي بالقول إن على كل دولة «وصف حزب الله بأنه منظمة ارهابية»، في أعقاب عملية بلغاريا.
وفي ما يتعلق بايران، قال أوباما: ليس مدهشاً أن يرى الاسرائيليون ايران تهديدا لهم، «بما أنها تهديد للعالم كله وللولايات المتحدة». وعبَّر عن قناعته بأن الدبلوماسية تستطيع حل هذا التهديد، مضيفا أن «كل الخيارات موضوعة على الطاولة». وبالنسبة لسوريا، قال إن على الرئيس بشار الأسد الرحيل، ومن حق الشعب السوري أن يتخلّص من هذا الحاكم الديكتاتوري.
وبينما كان الرئيس الأميركي يلقي خطابه، علا صياح في القاعة، فوضع أوباما يده تارة على أذنه وتارة أخرى فوق عينيه كي يركز ويسمع ويرى، وقال «كنا نتوقع ذلك. هذا جزء من النقاش الحي الذي تحدثنا عنه، هذا جيد». وتابع «أنا مضطر للقول إننا كنا مستعدين لذلك، وهذا الأمر يجعلني أشعر وكأنني في وطني، لو لم أسمع صرخة واحدة هنا على الأقل، لشعرت بعدم الارتياح».
ورغم الإجراءات المشددة خلال اختيار طلاب الجامعات لحضور الخطاب، بل وقامت بعض الجامعات والكليات بجعل الطلاب المختارين يوقعون على تعهد بعدم إثارة أي إزعاج في القاعة خلال الخطاب، قاطع الناشط السياسي ربيع عيد، عضو التجمع الوطني الديموقراطي، أوباما، سائلاً: «هل جئت حقا إلى هنا من أجل السلام، أم لإعطاء إسرائيل المزيد من السلاح لقتل وتدمير الشعب الفلسطيني؟ هل رأيت جدار الفصل العنصري في طريقك؟». وأضاف: «يوجد في هذه القاعة فلسطينيون، هذه الدولة يجب أن تكون لكل مواطنيها، لا دولة الشعب اليهودي». وتابع عيد: «من قتل راشيل كوري؟ راشيل كوري قتلت بأموالك وأسلحتك»، في إشارة إلى ناشطة السلام الأميركية التي قتلها الاحتلال في غزة خلال محاولتها منع جرافاته من هدم منشآت فلسطينية.
وبدأ الجمهور بالصراخ لحظة مقاطعة عيد لخطاب أوباما، وهجم عليه عدد من رجال الأمن واقتادوه بشكل عنيف خارج القاعدة، واضعين القيود في يديه، فيما هتف طلاب آخرون داخل القاعة بعد خروج ربيع عيد: «الحرية لفلسطين» عدة مرات، قبل إخراجهم.
في السياق نفسه، أعرب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في بيان صادر عن ديوانه عن شكره للرئيس أوباما على الدعم غير المشروط لاسرائيل الذي أبداه خلال خطابه.
وفي رام الله، أكد الرئيس الاميركي خلال لقاء مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن امكانية حل الدولتين لا تزال قائمة، بدون أن يرسم الطريق للتوصل الى ذلك، وامتنع عن الدعوة الى تجميد الاستيطان الاسرائيلي. ودان الرئيس الاميركي اطلاق صاروخين على اسرائيل من قطاع غزة. وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع عباس «استنادا الى المحادثات التي اجريتها مع رئيس الوزراء الاسرائيلي وعباس، فإن امكانية حل الدولتين ما زالت قائمة». وأضاف «لا نعتبر أن مواصلة الاستيطان بناءة او مناسبة او تدفع بطبيعتها قضية السلام قدما»، مشدداً في الوقت نفسه على أن هذه المسألة يجب أن تحل خلال مفاوضات السلام وليس عبر تجميد للبناء كما يريد الفلسطينيون.
وكشف نمر حماد، المستشار السياسي للرئيس الفلسطيني، أن عباس أكد لأوباما أنه لا يمكن استئناف المفاوضات مع اسرائيل من دون تجميد الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين. وجرت مراسم رسمية للمرة الاولى على مستوى دولة فلسطين خلال استقبال الرئيس الاميركي في رام الله. وقال مسؤول فلسطيني «بذلنا جهودا كبيرة من اجل انجاح استقبال أوباما بمراسم رسمية لدولة فلسطين التي نالت الاعتراف في الامم المتحدة، وهي مراسم تجرى لأول مرة منذ هذا التاريخ».