تدلّ المؤشرات على أنّ «الائتلاف» المعارض يجنح نحو العودة إلى أيّام ما قبل التأسيس. عندها كان يحسب على الجسم الرئيسي للمعارضة (المجلس الوطني السوري) أنّه يختزل المعارضة السورية بمجموعة من الاسلاميين وبعض الليبراليين. جاء «الائتلاف» عبر ضوء أخضر أميركي على أمل حلّ هذه المعضلة، لكن المولود الجديد بقيَ يحمل بذور الخلافات السابقة. جُمع معظم المعارضين في إناء واحد على اختلافهم. عند كلّ استحقاق كان يظهر كأن «الائتلاف» تتنازعه تيارات مختلفة. قدّم رئيسه أحمد معاذ الخطيب مبادرة تجاه النظام قوبلت برفض وتشكيك من إخوانه، ثمّ أغلقوا الباب أمام زيارته لموسكو، بعدها أصرّوا بعد طول تأجيل ومناكفات على تكيلف شخصية برئاسة حكومة موقتة.
وهنا بيت القصيد اليوم. هذه الحكومة التي لم يُعلم بعد ماذا تستطيع أن تقدّم أو تغيّر في الواقع الحالي، اتجه أعضاء في «الائتلاف» إلى تجميد عضويتهم، رفضاً «لانتخاب غسان هيتو والطريقة التي انتخب بها».
خالد الناصر، أحد الأعضاء الذين جمّدوا عضويتهم. لم يُذكر اسمه بين الأسماء الستة المتداولة إعلامياً حتى الآن. «السبب تهميش الليبراليين والعروبيين»، يقول لـ«الأخبار». التيار الديني لا يزال مسيطراً منذ أيام المجلس الوطني، بحسب الناصر. إلى أين؟ يأتي السؤال الطبيعي بعد خطوة التجميد. «الأمور رح تتصلّح، لكن نريد مزيداً من الضمانات ومزيداً من الإشراك»، يضيف الناصر.
الصورة ليست واضحة عند «الممتعضين». «الضمانات» عبارة مكرّرة عند كل لقاء يهدف إلى جمع معارضين سوريين. «الليبراليون والعروبيون» ليسوا ضمن المشهد الذي تريد رسمه أنقرة والدوحة. المطلوب فقط رفع أياديهم عند أيّ تصويت ما داموا رافضين للحلّ السياسي ومحاورة دمشق.
عضو الهيئة السياسية في «الائتلاف»، سمير النشار، فوجئ بقرار زملائه، حسبما أشار إلى «الأخبار». ويتابع «لم نعرف أسباب تحفّظهم بعد، من المفترض أن تبدأ الاتصالات للوقوف عند رأيهم». يرفض النشار مقولة تحكّم الإسلاميين في مسار عمل الائتلاف وانتخاب غسان هيتو، ويفرّق بين تعليق زملائه لعضويتهم بسبب طريقة الانتخابات أو «فكرة» قيام حكومة موقتة لكونهم «ما زالوا يأملون بحكومة انتقالية حسب بيان جنيف أو بتحقيق مبادرة الشيخ معاذ الخطيب التي رفضها النظام».
ومن الأسماء التي جمّدت عضويتها سهير الآتاسي، النائب الثاني لرئيس الائتلاف، ووليد البني المتحدث باسم الائتلاف، والأعضاء كمال اللبواني، ومروان حاج رفاعي، ويحيى الكردي وأحمد العاصي الجربا. وعلمت «الأخبار» أنّ كلّاً من ريما فليحان وقاسم الخطيب جمّدا عضويتهما أيضاً، إضافة إلى خالد الناصر.
ورأت الآتاسي أنّها جمّدت عضويتها «بسبب العقلية اللامؤسساتية التي ترى أن هناك مجموعة أشخاص بإمكانهم التحكّم في الائتلاف ويبقى الباقي رعية. لن أكون رعية، ولن أكون امرأة يعتقدون أنهم يزيّنون بها مجالسهم والمؤتمرات، وهم يقررون ويحددون أموراً مصيرية ويختلفون حول أمور مصيرية دون تحديد معايير ولا أسس. ما زال عملهم وعملنا عمل هواة»، حسبما كتبت على صفحتها على موقع «فايسبوك».
سيواجه «الائتلاف» مصير «المجلس» في حال بقيَ يعمل ضمن خلق توازنات داخل جسمه تعكس تمثيل كلّ طرف. الحكومة الموقتة ستبرز مدى جدّية عمل الائتلاف. خلال أسابيع سيقول الائتلاف إنّه يدير أجزاءً داخل البلاد كأيّ مؤسسات دولة طبيعية، من الشؤون المعيشية إلى السلطات المحلية مروراً بتنظيم عسكري موحّد ومتماسك، أو سيعيد عقارب الزمن إلى الوراء ويعيد صرخته التي أطلقها قبل اجتماع أصدقاء الشعب السوري في روما: المجتمع الدولي خذلنا وهو غير مهتم بدماء السوريين.