قبل أيام، أرسلت الحكومة السورية إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة ووكيل الأمين العام لشؤون عمليات حفظ السلام، رسالة تتعلق بخطورة الأعمال التي تمارسها جماعات المعارضة الإسلامية المسلحة في منطقة هضبة الجولان، المتضمنة «خط فصل الاشتباك العائد لعام ١٩٧٤»، وتتواجد فيه قوة «الأندوف» المكلفة بحفظ السلام.
وبحسب مصدر سوري رفيع المستوى، فإن الرسالة أرادت تسجيل استهجان دمشق لسكوت الأمم المتحدة عن الأخطار المستجدة والمتراكمة منذ ثلاثة أشهر في منطقة خط فصل الاشتباك، والناتجة من نشاط للمعارضة المسلحة بداخلها، بتواطؤ واضح مع الجيش الإسرائيلي. ويضيف إنّ دمشق نبّهت الأمم المتحدة إلى هذا الأمر منذ أشهر عدة، وأرسلت تنبه الأمين العام لعمليات حفظ السلام غير مرة، لكن أي ردّ فعل لم يصدر عنهما، ما يرسم علامات استفهام حول وجود مخطط لتغيير الوضع القائم في المنطقة الحدودية. وما يعزّز هذه الشكوك حصول التطورات الآتية أخيراً:
_ تعاظم حركة انتقال عناصر قوة الأندوف الموجودة في تلك المنطقة، من مراكزها على أراضي الجانب السوري إلى داخل أمكنة استحدثت لهم داخل الأراضي التي تحتلها إسرائيل في هضبة الجولان.
_ تتالي عمليات انسحاب دول مشاركة في قوة الأندوف. وهناك معلومات عن أن كرواتيا لن تكون الدولة الوحيدة التي ستسحب عناصرها بعد انفضاح صفقة السلاح التي باعتها للمعارضة. ولفت المصدر إلى أنّ هناك اتجاهاً إسرائيلياً، بتواطؤ دولي معه، لتعطيل دور الأندوف كمقدمة لسحبه من الجانب السوري، توصلاً لسحبه من كل منطقة ولايته. والهدف من ذلك الوصول إلى إتمام فكرة أن سوريا أصبحت دولة فاشلة، ولم تعد قادرة على الوفاء بتعهداتها الدولية. وعند وصول التعريف الدولي لسوريا إلى هذه النقطة، تصبح إسرائيل قادرة على الاستحصال على غطاء دولي للقيام بأعمال عسكرية داخل سوريا تحت ذريعة أنها مرغمة على التدخل لمنع الفوضى السورية من إصابة مصالحها الأمنية الحيوية.
ويعدّد المصدر ثلاثة أهداف تريد إسرائيل تحقيقها من وراء تعطيل دور الأندوف، وأيضاً جعل الجانب السوري من منطقة هضبة الجولان خالياً من أي وجود للأندوف: الأول الحصول على بطاقة خضراء دولية للتحرك ضد ما تسميه مواقع الترسانة الكيميائية السورية. وهناك معلومات تفيد بأن تل أبيب حصلت على ضوء أخضر من أميركا بهذا الخصوص.
الثاني، إعطاؤها ضوءاً أخضر دولياً لضرب أي قوافل تعتقد أنها تحمل سلاحاً نوعياً إلى حزب الله.
الثالث، هو إنشاء شريط أمني داخل الأراضي السورية. ورغم أنّ هذا الشريط هدفه المعلن هو تعبئة الفراغ الناتج من سيطرة المعارضة المتشددة على المنطقة الحدودية في هضبة الجولان، إلا أنّ هدفه الأساس هو امتلاك إسرائيل ورقة داخل معادلة الميدان السوري، وتحويله بالتدريج إلى أرض محتلة تعرض إسرائيل التخلي عنها لاحقاً في إطار «تسوية أمنية» وليست «سياسية» مع دمشق، وذلك على قاعدة انسحاب «من الشريط» وليس «من الجولان» الذي تفكر إسرائيل بإعلانه منطقة حكم ذاتي لسكانه السوريين الدروز، على أن يتمتع بسيادة إجرائية، مع احتفاظها لنفسها بالسيطرة على الأمن وعلى مياهه ونفطه المكتشف حديثاً.
ويكشف المصدر أنّ التطورات التي حصلت في الأسبوعين الأخيرين في منطقة خان الشيح لافتة، نظراً إلى كونها كثفت من الوقائع الميدانية التي تظهر دخول العامل الإسرائيلي الواضح على خط الأزمة السورية. فهذه المنطقة تقع في نقطة جغرافية وسطية بين دمشق العاصمة ومدينة القنيطرة المتاخمة، أي منطقة تواجد الأندوف. ويوجد في منطقة تل الشيح مخيم للاجئين للفلسطينيين، يتميز عن كل مخيّمات اللجوء، بأنه مسكون من عائلات فلسطينية أغلبها ميسورة الحال، لكنها بالمقابل تنتمي إلى العقيدة السلفية المتشددة. وخلال العقد الماضي، قامت أجهزة الأمن السورية، بالتزامن مع أحداث مخيم نهر البارد في لبنان، بتفكيك تنظيم سلفي في المخيّم كان يعتزم إعلان إمارة إسلامية فيه.

«الجدار الطيب»

إنّ هدف المجموعات المسلحة المتشددة التي تعمل اليوم في تلك المنطقة، هو تحقيق أمور استراتيجية عدة، بينها إنشاء تحالف جهادي في سوريا بين السلفية الغنية الفلسطينية والسلفية السورية، وذلك بعدما تأمّن لجبهة النصرة مدّ نفوذها إلى الفئات الفلسطينية الفقيرة في مخيم اليرموك. الهدف الآخر، هو تهديد مدينة القنيطرة لإخراج الجيش السوري منها، ويحدث هذا الجهد بالتعاون مع الاستخبارات الإسرائيلية. وبالأساس لا يمكن هذه المجموعات أن تقترب من منطقة الأندوف الذي لا توجد فيها قوات سورية لأسباب على صلة باتفاق فضّ الاشتباك في عام ١٩٧٤. أضف إلى ذلك إن المعلومات المثبتة أكدت أن إسرائيل بادرت إلى إنشاء علاقة فعلية مع مجموعات سلفية مسلحة تعمل في منطقة الفصل عند الحدود، عبر تقديم حاضن لوجستي طبي وخدماتي لها. والفكرة التي تعمل إسرائيل على إنضاجها الآن هي تكرار إنشاء «الجدار الطيب» على حدودها مع سوريا، كالذي أقامته أيام ميليشيا سعد حداد خلال السبعينيات والثمانينيات في جنوب لبنان. ومن الوقائع الدالة على هذا الاتجاه، قيام الجيش الإسرائيلي في منتصف شباط الماضي بنقل ٧ إرهابيين جرحى عبر خطّ الفصل إلى أحد المستشفيات الإسرائيلية، ومن ثم إعادتهم إلى الأراضي السورية. وهو ما تكرر أمس عبر نقل أربعة مسلحين للعلاج في إسرائيل.
وتقصّد الجيش الإسرائيلي أن يعلن رسمياً خبر تقديم جنوده إسعافات طبية لمسلحي المعارضة ونقل جرحى منهم إلى مستشفى صفد الحكومي. ويتم التخطيط في إسرائيل لإنشاء إدارة مدنية تابعة لقيادة الجبهة الشمالية، تدير سياسة إنشاء جدار طيب تجاه سكان الحدود السوريين والمسلحين الموجودين فيها.
الهدف الثالث هو تهديد دمشق من خلال استخدام حشود المعارضة في منطقة خان الشيخ للضغط على وحدات الجيش السوري التي تحاصر ضاحية داريا التي تمد بالدعم اللوجستي بلدة جوبر المصنفة على أنها الريف اللصيق بالعاصمة.
قصارى القول، بحسب المصدر السوري، أنّ العامل الإسرائيلي في الأزمة السورية أصبح أكثر من واضح، سواء على مستوى أساليب تدخّله من خلال المعارضة المسلحة، أو على مستوى الأهداف التي يتحرك لتنفيذها، مستغلاً الأزمة السورية، على المديين القريب والبعيد.