القاهرة | لم تكد الساحة السياسية المصرية تلتقط أنفاسها، حتى عاد التوتر إليها أمس من جديد، بقرار رئاسي هذه المرة، بعدما قرر الرئيس محمد مرسي الطعن في قرار محكمة القضاء الإداري بوقف الانتخابات، ناكثاً بقرار سابق اتخذه بعدم الطعن. فعندما قرر مرسي في السادس من الشهر الماضي عدم الطعن في قرار القضاء الإداري الذي أوقف الانتخابات وطلب من المحكمة الدستورية بتّ مدى دستورية قانونها، ظن المصريون أن مرسي سيلتقط «هدية» القضاء الإداري ويعمل على استغلالها لمحاولة التوصل إلى توافق مع المعارضة، وتحديداً جبهة الإنقاذ لضمان تراجعها عن قرار مقاطعة الانتخابات، لكن مرسي أثبت أمس من جديد أنه لا يستطيع الثبات على قرار يتخذه لأكثر من أيام، وهو ما يعيد من جديد التساؤلات عن الكيفية التي يدير بها البلاد ويتخذ عبرها القرارات التي لا يلبث أن يتراجع عنها على غرار الطعن في القضاء الإداري.
وأكدت هيئة قضايا الدولة المصرية، أمس، أنها تقدمت بطعن ضد قرار القضاء الإداري إلغاء الانتخابات البرلمانية نيابة عن رئاسة الجمهورية ومجلس الشورى وليس عن اللجنة العليا للانتخابات. أما مصادر رئاسة الجمهورية فبدت حريصة في تصريحاتها الصحافية المختلفة أمس للترويج لفكرة أن الطعن، الذي حددت المحكمة الإدارية العليا يوم الأحد المقبل موعداً للنظر فيه، لا يستهدف التعجيل بموعد الانتخابات، ولكن من أجل بتّ مسألة قرار دعوة الناخبين، سواء كان عملاً سيادياً لا يخضع لرقابة القضاء أو عكس ذلك.
لكن الصحافية المتخصصة في شؤون القضاء، هدى أبو بكر، نقلت في حديث مع «الأخبار» عن مصدر في المحكمة الدستورية العليا قوله «إن الطعن في حكم القضاء الإداري أمام المحكمة الإدارية العليا لا يلغي قرار إحالة قانون انتخابات مجلس النواب على المحكمة الدستورية». ووفقاً للمصدر القضائي فإن الطعن يمكنه «أن يلغي قرار وقف الانتخابات فقط». وفي حال إصدار القضاء الإداري حكماً بإلغاء وقف الانتخابات، سيجري وفقاً لأبو بكر «السير من جديد في إجراءات الانتخابات لكن دون إلغاء إحالة القانون على المحكمة الدستورية، وهو ما قد يشير إلى احتمال الحكم بعدم دستورية قانون انتخابات مجلس النواب لاحقاً».
وبعيداً عن الحيثيات القانونية، يبدو قرار الطعن في حكم القضاء الإداري بتأجيل انتخابات مجلس النواب جاء مدفوعاً بالدرجة الأولى بالرغبة في الانتهاء من الانتخابات، تمهيداً أمام تمرير الحكومة السريع لقرارات اقتصادية «مؤلمة» للفقراء لا بد منها لنيل رضا إدارة صندوق النقد الدولي للحصول على قرض ائتماني بقيمة 4.8 مليارات دولار لمصر.
كذلك، تقول مصادر مقربة من جماعة الإخوان المسلمين، إن الجماعة تتعجل إتمام الانتخابات البرلمانية لأنها أصبحت ترى أن حكومة هشام قنديل فاشلة على نحو يجعل منها عبئاً على شعبية الرئيس محمد مرسي. كذلك تتعجل جماعة الإخوان المسلمين في تشكيل حكومة إخوانية صرفة بناءً على تلك الاغلبية التي تطمح إلى الفوز بها في انتخابات مجلس النواب.
وترى الجماعة، وفقاً لتلك التسريبات، أن مرور الوقت دون تشكيل تلك الحكومة التي تطمح إليها يعني حسماً من فترة ولاية الرئيس التي تتآكل يوماً تلو الآخر دون أن تمسك الجماعة بزمام الدولة.
وتخشى الجماعة من أن انتظار رأي المحكمة الدستورية في قانون مجلس النواب تماشياً مع قرار القضاء الإداري يعني أنها أصبحت تحت رحمة حكم من القضاء الدستوري الذي تتشكك في ولاءه.
وإن كان قرار مرسي بالطعن في قرار القضاء الإداري قد جاء متماشياً مع رغبة جماعة الإخوان المسلمين، فإنه في المقابل أثار استياء المعارضة التي وصفت القرار بأنه يعيد الوضع إلى النقطة الصفر، وأعضاء مجلس الشورى الذين وصف بعضهم قرار مرسي بأنه تلاعب بإرادة الشعب ويزيد من حالة الاحتقان السياسي.
القيادي في جبهة الإنقاذ، عمرو موسى، أكد أن الطعن في الحكم خطوة غير حكيمة. وأضاف: «عندما قلت فور صدور حكم القضاء الإداري إنها هدية من السماء لم أكن أنتظر أن ترفض الحكومة هذه الهدية وأن تعيدنا إلى المربع الصفر المليء بالتوترات والشكوك وانعدام الضوابط».
ولا تبدو جبهة الإنقاذ، على استعداد لتغيير موقفها الرافض خوض الانتخابات. حسين عبد الغني، وهو عضو قيادي في الجبهة، أكد لـ«الأخبار» أن «الرئيس لم يوفر مناخاً سياسياً يبشر بأن الانتخابات ستجري بنزاهة، كذلك إن المحاولات الحثيثة لأخونة الدولة لم تتوقف، وكذلك قانون انتخابات مجلس النواب لم يعدل ليسمح بأي تمثيل حقيقي لإرادة الأمة في الانتخابات، وكذلك لم يعلن الرئيس تشكيل لجنة لتعديل الدستور الجديد وحذف البنود المخلة بالحريات العامة وحقوق المرأة والأقباط والعدالة الاجتماعية».
أما جماعة الإخوان السلمين فتواصل استعداداتها الانتخابية رغم رصد خلاف داخل مكتب الإرشاد الذي عقد اجتماعاً له أمس على خلفية الانتخابات البرلمانية نفسها، من حيث طبيعة التحالفات التي قد تنخرط فيها الجماعة، ولا سيما أن الجماعة أصبحت على بينة من أن خوضها الانتخابات منفردة سيحرمها أي أغلبية مرجوة في هذا التوقيت في ظل التراجع الكبير في شعبيتها. ووفقاً للمعلومات، تنقسم الآراء داخل مكتب الإرشاد بين فريق يرى ضرورة الانخراط في تحالف مع جماعات موالية لحازم صلاح أبو إسماعيل – المرشح السلفي المستبعد من انتخابات رئاسة الجمهورية، وحزب الوطن الذي يضم منشقين عن حزب النور السلفي، ولا سيما أن النور يبدو التحالف مستبعداً معه بعد أزمة إطاحة خالد علم الدين عضو الحزب من مؤسسة الرئاسة وانتقاداته العلنية للرئيس.
في المقابل، يرى الفريق المقابل ضرورة التحالف مع الجماعة الإسلامية وحزبي الحضارة والوسط، على اعتبار أن «الوطن» بأعضائه المنحدرين من «النور» لا يختلف شيئاً عن الحزب، فضلاً عن أن أبو إسماعيل، من وجهة نظر هذا الفريق، يحب الزعامة ولا يميل إلى السير في ركاب قيادة الإخوان. لكن عمرو ذكي، وهو عضو في مجلس شورى الجماعة وقيادي في الحرية والعدالة، أكد لـ«الأخبار» أن طبيعة التحالفات التي ستنخرط فيها الجماعة لم تتحدد بعد، وأن الشرط الوحيد لتلك الأطراف التي سيقع اختيار الجماعة عليها هو الشعبية الكافية للإضافة إلى أداء الجماعة الانتخابي.