القاهرة | مقطع مصوّر يظهر بدء عمل ما سمّته الجماعة الاسلامية «اللجان الشعبية»، التي أنشأتها قبل أيام في أعقاب إضراب الأمن المركزي، هو أول الغيث على ما يبدو في ما يتعلق بعمل تلك المجموعات، بعدما ظهرت وهي تخترق شوارع مدينة أسيوط على عشرات الدراجات البخارية التي رفعت أعلاماً بيضاء تميّزها. المقطع بدا شديد الدلالة على استعراض القوة في المدينة التي تقع في صعيد مصر المحافظ، الذي يعدّ معقلاً من معاقل القوى الاسلامية ومهيمناً عليه بالكامل تقريباً بالقبلية والعشائرية. واللافت أن هذه اللجان الشعبية سرعان ما دعم وجودها إعادة تذكير النائب العام طلعت عبدالله بوجود مادة تمنح «الضبطية القضائية» لكل المواطنين، مستفيداً من نص المادة 37 من قانون الاجراءات الجنائية، التي تنص على أن «كل من شاهد الجاني متلبساً بجناية أو جنحة يجوز فيها قانوناً الحبس الاحتياطي، أن يسلمه إلى أقرب رجل من رجال السلطة العامة دون احتياج إلى أمر بضبطه».
خالد الشريف، المستشار الاعلامي لحزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، أكد لـ«الأخبار» «أن هذا القرار بلا شك يدعم وجود اللجان الشعبية ويساعدها في الانتشار وأداء دورها، لكن في كل الاحوال ينبغي التأكيد هنا على أن أعضاء تلك اللجان لن يسلحوا أنفسهم إلا بالصاعق الكهربائي». وأضاف «اللجان لا تهدف إلى الحلول مكان الشرطة، بل الى مساندتها في أداء دورها»، موضحاً أن «الجماعة الاسلامية تنسق مع وزارة الداخلية، وكل ما هنالك أننا نرغب في تشجيع المجتمع على أن يكون أكثر إيجابية عبر حل مشكلة الانفلات الأمني والفوضى».
تنسيق الجماعة مع وزارة الداخلية لا ينسحب على الجيش، لأسباب لم يوضحها خالد الشريف. أما أحمد علي، المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة، فقد رفض التعليق على الأمر برمته لعدم صدور موقف رسمي من قيادة الجيش، مكتفياً بالقول إنه في ما يتعلق بالضبطية القضائية «فإن أفراد الجيش أنفسهم كمواطنين مصريين لا تضيف إليهم الضبطية القضائية الكثير، لكوننا نتعامل مع المصريين جميعاً، وخصوصاً في مدينة بورسعيد (التي يحكمها الجيش) من منطلق الوطنية فحسب، ولا نحتاج إلى قوانين تنظم هذا التعامل».
إلا أن مصدراً نافذاً في الجيش المصري، طلب عدم ذكر اسمه، أوضح لـ«الأخبار» أن «القوات المسلحة تقوم الآن بتقييم سير الأمر». أما في صدد احتمالات تسلح تلك اللجان لاحقاً، فلفت المصدر إلى أنه «تكفي الآن الاشارة إلى تصريحات سابقة من اللواء عبد الفتاح السيسي (وزير الدفاع) حين قال إن الجيش لن يصمت على إراقة الدماء والعنف المتبادل بين المصريين».
أما على الصعيد الشعبي، فالمشهد برمته _ الضبطية القضائية واللجان الشعبية _ أثار للوهلة الأولى شهية المصريين للسخرية، مستعيدين الجملة الشهيرة للممثل أحمد السقا في فيلم الجزيرة «من النهارده مفيش حكومة... أنا الحكومة».
هذا التخوف من انهيار الدولة الحديثة فاقمه أمس بيان منسوب إلى هيئة الأمر بالمعروف، تم تداوله على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، وتم توزيعه بين عدد من المواطنين في السويس. وأثار البيان ذعر المواطنين لما حمله من تهديد ووعيد وإشارات إلى أن أعضاء الهيئة سيستخدمون العنف مع كل من يخالف شرع الله، بحسب ما جاء فى البيان.
ويرى علي حسن، وهو أستاذ في علم الاجتماع السياسي، أن هذا التوجه لإحلال أجهزة موازية للداخلية المشكوك في ولائها من الإسلاميين، يعكس إيديولوجية الإخوان المسلمين والحركات الاسلامية في احتقار الدولة ومحاولة القفز عنها واللجوء الى آليات بديلة من مؤسساتها، كما يبدو من دعوات سابقة (أطلقها محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين) لإعادة إحياء ما يسمى القضاء العرفي، في محاولة لتقويض القضاء التابع للدولة».
كذلك حذر حسن ممّا سمّاه «الصراع الاجتماعي المفتوح» من جرّاء الضبطية القضائية واللجان الشعبية. ونبّه إلى أن الأولى على الأقل تعني تفجّر العنف الاهلي نتيجة ما تثيره من حساسيات عائلية وعشائرية.
أما اللجان الشعبية فهي من وجهة نظره تعني تحوّل مصر الى «دولة ميليشيات». أما أستاذ القانون ثروت عبد العال، فرأى أن إنشاء اللجان الشعبية يتنافى مع مواد في الدستور الجديد تقصر مهمة تأمين البلاد على الدولة نفسها، وتحظر تشكيل مجموعات عسكرية أو شبه عسكرية. كذلك أشار إلى مخالقة قانونية أخرى تتمثل في مشروع القانون الذي تعدّه وزارة العدل، والذي يمنح شركات الحراسة الخاصة هذا الحق.