لم يكن اغتيال مدير أمن ذي ناعم في محافظة البيضاء، الرائد عبد الولي صالح النهمي، قبل أيام، الأول من نوعه لضابط يمني، ولن يكون الأخير، إذ لا يكاد يمر شهر إلا تسجل فيه عملية اغتيال لضابط يمني أو أكثر. العمليات تتبع نمطاً شبه موحد. مسلحان يستقلان دراجة نارية يقتربان من الهدف (الضابط)، يفرغان بضع رصاصات في رأسه، ومن ثم يختفيان، لتبقى هوية منفذي عمليات الاغتيالات المتكررة مفتوحة على أكثر من فرضية.
الفرضية الاولى تُسمع بكثرة في جنوب اليمن، حيث مطلب فك الارتباط يتزايد كل يوم. مؤيّدو فك الارتباط مقتنعون بأن عمليات الاغتيال تستهدف تصفية الضباط الجنوبيين حصراً لتفريغ الجنوب من كوادره. يستندون في ذلك الى أن أغلبية الضباط الذين اغتيلوا يتبعون لمحافظات جنوبية، ويتحدثون عن مناطق بأكملها تمت تصفية ضباطها.
هذه الفرضية لا تملك في نظر الناشط السياسي ناصر باقزقوز أساساً واقعياً. الأخير المنتمي الى محافظة حضرموت الجنوبية، التي سجلت أعلى نسبة في عدد الضباط الذين تمت تصفيتهم، يرى أن فرضية استهداف الضباط فقط لأنهم جنوبيون خاطئة لمجموعة من الأسباب؛ أوّلها أنه تم استهداف ضباط غير جنوبيين، سواء خلال تمركزهم في أماكن عملهم في جنوب اليمن أو في الشمال. وهو ما تؤكده الإحصاءات. وكالة أنباء «شينخوا» تحدثت، في إحصاءات خاصة بها، عن أن 74 ضابطاً تم اغتيالهم في عام 2012 يتوزعون على محافظات شمالية وجنوبية، في حين يظهر التدقيق في عينة عشوائية أعدّتها «الأخبار» من 41 ضابطاً (بنيت على ما نشره موقع «المصدر أون لاين» قبل فترة وما أوردته وكالات الأنباء العالمية) أن 27 ممن اغتيلوا بين 2009 و2013 ينتمون إلى محافظات جنوبية، مقابل 14 توزعوا على محافظات شمالية. ووفقاً للعينة نفسها، فإن محافظة حضرموت احتلت المرتبة الأولى بـ16 حالة، لحج المرتبة الثانية بأربع حالات، في حين توزع الآخرون على محافظات البيضاء، عدن، شبوة وأبين. تصدّر حضرموت للائحة أرجعه باقزقوز إلى أن هؤلاء الضباط يجري اغتيالهم فقط لأنهم من جهاز الأمن السياسي، مذكّراً بالفتوى التي صدرت ضدهم وأجازت قتلهم. وهي فتوى تجددت قبل أسابيع فقط، عندما أصدر تنظيم القاعدة في مدينة الشحر في محافظة حضرموت بياناً دعا فيه إلى «قتل جواسيس أميركا وعيونها من ضباط الامن القومي والسياسي».
وتطرق باقزقوز إلى طبيعة أبناء حضرموت، مشيراً إلى تعاطف الكثير منهم مع القاعدة وانتمائهم إليه، وبالتالي يعمدون إلى تطبيق هذه الفتاوى بهدف شل عمل الجهاز.
كذلك أوضح باقزقوز أن الضباط لا يملكون حراسات، فضلاً عن أن بيوتهم غير آمنة وتقع في حارات شعبية. يضاف إلى كل ذلك أن برنامج حياتهم اليومي مكرر ويُختصر بثلاثة أماكن، المنزل ومكان العمل والمقهى، ما يجعل من استهدافهم أمراً سهلاً وبسيطاً. ولفت إلى أنه تمت مناقشة هذا الموضوع مع محافظ المدينة الذي طلب من الضباط اتخاذ الحيطة، من دون أن يلغي ذلك فرضية وجود تساهل وخفة في التعاطي مع هذه التصفيات رغم خطورتها.
عند هذه النقطة يتحدّث باقزقوز عن تفاصيل أشد خطورة، متهماً مدير أمن المحافظة، العميد فهمي محروس، بأنه يغض الطرف عمّا يتعرض له الضباط من اغتيالات، نظراً إلى انتمائه إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح، فضلاً عن اتهامه بالافتقار إلى الخبرة الأمنية. لكن الأخطر من وجهة نظر باقزقوز أن محروس متأثر بفكر الشيخ مقبل الموادعي، مؤسس دار الحديث في دماج. والدار متهمة بأنها من أخطر مدارس تخريج الإسلاميين المتشددين في اليمن.
ويؤكد الناشط السياسي أن بعضاً من منفذي الاغتيالات معروفون بالأسماء، وقد اعترف المحافظ الذي تعذر الاتصال به من قبل «الأخبار»، وفقاً لباقزقوز، برفعه لائحة بهذه الأسماء إلى الداخلية، لكن الأجهزة الأمنية لا تقوم بواجباتها. ويرى أن الإهمال ناتج من التراخي الذي يضرب حكومة الوفاق الوطني ومبدأ المحاصصة الذي يتحكم فيها، فيما تقف «بقايا نظام الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح مسرورة من حال الانفلات الأمني وتصفية الحسابات، وخصوصاً أن مدير الأمن القومي في المحافظة، عارف الرضي، تابع لعلي عبدالله صالح»، بحسب باقزقوز.
لكن مدير أمن حضرموت، فهمي محروس، رفض، في اتصال مع «الأخبار»، فرضية تصفية الحسابات بين الأجهزة الأمنية، معتبراً أن تنظيم القاعدة عمد إلى اصطياد الأهداف السهلة من ضباط الأمن. محروس الذي لم يخف اعتزازه بالشيخ الوادعي نافياً تتلمذه على يديه، يرفض الحديث عن أي تراخ للأجهزة الأمنية، ويشير إلى أن كل حادثة تتبعها تحقيقات متكاملة تشير إلى أن تنظيم القاعدة يقف وراء هذه الاغتيالات. وتحدث عن وجود ما لا يقل عن 20 معتقلاً مشتبهاً فيهم. أما مواجهة هذه الحوادث، فأكد أنها لا تخص جهاز الأمن، بل يجب أن تشمل أيضاً القبائل في المنطقة، وخصوصاً أن منفذي هذه الاغتيالات ينتمون إلى هذه القبائل.
أما أسباب استهداف جهاز الأمن السياسي، فأرجعه محروس إلى كونه الجهاز المعني في الدولة بمواجهة الجرائم ذات الطابع السياسي، وتنظيم القاعدة تنظيم سياسي كان الجهاز أول من احتك به. لكنّ مزيداً من التدقيق يظهر أن الاغتيالات لم تقتصر على ضباط الأمن السياسي، وشملت بعضاً من كبار ضباط الجيش، بينهم اللواء في الجيش سالم ناصر قطن، ومدير كلية الأركان اليمني عمر بارشيد اليافعي، وقائد محور ثمود العميد الركن فضل الردفاني. وهؤلاء تم اغتيالهم بعد أنباء عن توجه لإيلائهم أدواراً أكبر داخل الجيش، في إطار عملية الهيكلة. وهو ما دفع البعض إلى وضعه في سياق تصفيه الضباط المحسوبين على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لمنعه من تكوين نفوذ واسع داخل المؤسسات الأمنية المختلفة، لتبقى بذلك الفرضيات الثلاث عن اغتيال الضباط اليمنيين قائمة، في ظل وجود أكثر من طرف مستفيد من تصفية الضباط، ويجيد استخدام التناقضات القائمة اليوم في اليمن للتخلص منهم.



«الصلح» مع القاعدة مرفوض؟


من يصدق اليمنيون؟ رئيسهم عبد ربه منصور هادي (الصورة) الذي أعلن رفضه عرضاً «للصلح» مع القاعدة قدمته مجموعة من العلماء وشيوخ القبائل، أم حكومتهم؟
مسؤول أمني، طلب عدم ذكر اسمه، أكد لوكالة «فرانس برس» رفض هادي لعرض قدمه زعيم القاعدة في جزيرة العرب ناصر الوحيشي، بواسطة مجموعة من العلماء، ووافق فيه على توقيع الصلح بعد هدنة لمدة شهرين. المسؤول لفت إلى أن هادي شدد على شرط تخلّي «عناصر القاعدة عن أسلحتهم وأن يعلنوا توبتهم وتخلّيهم عن الفكر المتطرف»، لكن ذلك يناقض ممارسات الحكومة اليمنية في تعاطيها مع عناصر التنظيم.
فالأخيرة سبق أن دخلت في هدنات مع التنظيم لوقف القتال في عدد من المحافظات وحتى لوقف استهداف الضباط.
الناشط ناصر باقزقوز تحدث عن محاولة الاغتيال التي تعرض لها مبارك بارفعه، مدير البحث الجنائي في شرطة الشحر في حضرموت، موضحاً أنه بعد نجاة الأخير دخلت الحكومة في وساطة بينه وبين المسلحين لضمان عدم تعرضه لمحاولة اغتيال أخرى.
كذلك ذكّر بأنه بعد اغتيال مدير الأمن السياسي في بغيل باوزير، عوض العاجم، في مطلع شهر كانون الأول الماضي، خرج نجله عبده على الملأ ليعلن أن منفذي العملية معروفون والسلطات لا تقبض عليهم. وما هي إلا أيام حتى تم اغتياله هو أيضاً.