رغم استمرار الاحتجاجات الشعبية الفلسطينية، ارتفع منسوب التفاؤل في أوساط الجيش الاسرائيلي بأن ما تشهده الضفة من «اضطرابات» في طريقه الى الخبو، وأنها لن تؤدي الى انتفاضة شديدة، وخصوصاً أنّ تقارير الجيش تؤكد التراجع في حجم الأحداث، وإن كان التقدير أنّها ستستمر على الأقل الى حين وصول الرئيس الاميركي في 20 آذار المقبل.
هذا التفاؤل قد ينسفه إطلاق كتائب شهداء الأقصى لصاروخ من غزة باتجاه الأراضي المحتلة ردّاً على اغتيال الأمن الاسرائيلي للأسير يوسف جرادات، لكنّ المسؤولين الاسرائيليين اعتبروه حادثاً فردياً لا يهدّد التهدئة.
ويبدو أنّ جرعة التفاؤل الاسرائيلية تعزّزت أكثر بعد الرسالة الضمنية التي وجهها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بالقول إنّ «اسرائيل تقود في اتجاه الفوضى ونحن لن نسمح لهم بالوصول الى هذا الوضع»، مؤكّداً أننا «لسنا معنيين بالعنف».
في المقابل، لفتت صحيفة «معاريف» الى أنه بالرغم من تصريحات أبو مازن «الكفاحية، هناك تعاون بين الجيش الاسرائيلي وأجهزة الامن الفلسطينية»، مضيفة أنّه في قطاعات عديدة فضّلت قوات الجيش معالجة الاضطرابات بأيدي الفلسطينيين، وفقط بعدما فشلت انتقلت المهمة الى الجيش وحرس الحدود.
في موازاة ذلك، ذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تباحث مع مبعوث الرباعية الى الشرق الاوسط، وبحث معه المبادرة الى خطوات حسن نية محتملة للفلسطينيين، إحداها تحرير بضع عشرات من الأسرى، لا سيما من حركة «فتح».
وأكد ضابط رفيع في قيادة المنطقة الوسطى أن الاضطرابات التي نشبت في الضفة لم تنته، لكن حصل تراجع جوهري في حجمها بالقياس الى ما شهدناه في الأيام الأخيرة. وقالت «معاريف» إنهم في الجيش يتحدثون عن عدة أسباب تقف وراء أحداث العنف، بينها الوضع الاقتصادي والجمود في الساحة السياسية. ونقلت عن مصدر عسكري قوله إن للتصعيد الأخير سببين أساسيين، الأول إضراب الأسرى، وهو قضية تعتبر في المجتمع الفلسطيني مقدسة، والثاني المصلحة الفلسطينية في المحافظة على إبقاء قضية الضفة في صدارة الأحداث الى حين زيارة أوباما.
في غضون ذلك، قالت تقديرات المنطقة الوسطى إن قرار الحكومة الاسرائيلية بإرسال أموال الضرائب عن شهر كانون الثاني الماضي الى السلطة الفلسطينية سيكون له أثر إيجابي، حتى لو لم يؤدّ ذلك الى أن يتلقّى كافة موظفي السلطة أجورهم. وبرر الضابط الاسرائيلي ذلك بالقول إن هناك علاقة «بين استقرار السلطة وقدرة أجهزتها الأمنية على تأدية دورها، وبين المشكلة المالية».
وأوضح الضابط أنّ للسلطة دوراً «في تسخين الأرض» بشكل يؤدي الى مفاقمة أحداث العنف في الضفة، ونفى الاتهامات الفلسطينية بتعذيب الشهيد الأسير عرفات جرادات، مثنياً في الوقت نفسه على أداء أجهزة الامن الفلسطينية التي تصرفت بشكل جيد خلال جنازة جرادات، لكونها ساهمت في عدم تحول المواجهات الى أكثر عنفاً.
لكن رغم التقديرات المتفائلة، تواصل قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الاسرائيلي رفع مستوى استعداداتها تحسباً لحصول تصعيد أكبر، وخصوصاً أن تقديرات أجهزة أمنية مختلفة تحدثت عن امكانية حدوث مثل هذا الأمر بما يؤدي الى انتفاضة ثالثة.
وفي هذا الإطار، كشفت تقارير إسرائيلية أن كل ضباط الجيش في الضفة تم استدعاؤهم لمدّة يومين بهدف إعدادهم لمواجهة سيناريو تصعيد واسع الحجم في الضفة. وكجزء من عملية الإعداد، بلورت قيادة المنطقة الوسطى خطة تأخذ في الحسبان تظاهرات شعبية في أماكن مختلفة، وارتفاع محاولات تنفيذ عمليات من قبل مجموعات فلسطينية، إضافة الى تظاهرات شعبية عشية وصول الرئيس الاميركي الى المنطقة.
ومن جهة قطاع غزة، أُطلق أول صاروخ باتجاه الأراضي المحتلة قرب عسقلان منذ التهدئة. وقال المتحدث باسم الشرطة الاسرائيلية، ميكي روزنفلد، إن «الصاروخ سقط باكراً في الصباح قرب عسقلان وسبّب بعض الاضرار على إحدى الطرقات من دون أن يوقع ضحايا»، مضيفاً «إنها أول عملية إطلاق من هذا النوع منذ انتهاء عملية (عمود السحاب) في تشرين الثاني الماضي».
وذكرت الإذاعة العامة الاسرائيلية أن الصاروخ كان عبارة عن صاروخ معدل من طراز «غراد أم 75» واستخدم للمرة الاولى. وأعلنت كتائب شهداء الأقصى في غزة، الجناح العسكري لحركة «فتح»، مسؤوليتها عن إطلاق الصاروخ «إيماناً بعدالة حقنا الطبيعي في مقاومة الاحتلال الصهيوني وردّاً أولياً على اغتيال الأسير البطل عرفات جرادات».
وتعقيباً على سقوط الصاروخ، قال الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز إن على حركة «حماس» أن تعي أن الهدوء من جانبها سيقابل بهدوء من جانب إسرائيل، وإطلاق النار سيقابل بالرد الملائم. مضيفاً أنه «ليس لدى إسرائيل أي نية لتصعيد الموقف وتأجيج النار»، داعياً الى الانتظار للتأكد «ما إذا كان إطلاق الصاروخ حادثاً فردياً أو لا».
بدوره، رأى رئيس الهيئة السياسية والامنية في وزارة الحرب الإسرائيلية، عاموس جلعاد، أن «إطلاق صاروخ فلسطيني لن يغيّر الواقع الهادئ».