رغم إدراك قادة الاحتلال أن انفجار الجماهير الفلسطينية أعمق من أن يكون نتيجة شرارة من هنا أو هناك، وأنه ليس سوى تعبير عن رفضها لكل مظاهر الاحتلال، وخصوصاً بعد فشل خيار المفاوضات، لا يزالون يعلقون آمالهم على أنّ السلطة الفلسطينية قادرة في نهاية الأمر على ضبط حركة الشارع ومنع تطوره نحو «انتفاضة ثالثة» ببُعديها الشعبي والعسكري، وأنّ ما تشهده الضفة الغربية من احتجاج شعبي يتحرّك ضمن الهامش الذي تسمح به السلطة من تحقيق أهداف سياسية تتصل بأجندة زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، المرتقبة الشهر المقبل، لفلسطين المحتلة، وإمكانية انتزاع بعض الانجازات.
وذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية أن تقديرات الاجهزة الامنية تؤكّد أنّ السلطة الفلسطينية معنية باستمرار مضبوط لتصعيد المواجهات والاحتكاكات في المناطق، الى حين زيارة الرئيس الاميركي وحمله على تغيير سلم أولويات زيارته لصالح القضية الفلسطينية عامة، والأسرى في السجون الاسرائيلية خصوصاً.
وربطت الأجهزة الأمنية «التصعيد» الفلسطيني بالمعلومات التي تصل من واشنطن عن أن اهتمامات أوباما تتمحور خصوصاً حول مسألتي إيران وسوريا، وأن البحث في المسألة الفلسطينية سيكون هامشياً فقط.
في السياق نفسه، تؤكّد التقديرات الاسرائيلية أن أبو مازن يرى في رشق الحجارة وإلقاء الزجاجات الحارقة مقاومة شرعية، وأن السلطة غير معنية بفقدان السيطرة بما يؤدي الى انتفاضة ثالثة تنطوي على إطلاق نار وعمليات استشهادية. في المقابل، يبقى هامش من القلق لدى جيش الاحتلال ينبع من أن تؤدي خيبة الأمل الفلسطينية من زيارة أوباما الى هيجان شعبي أكبر بكثير.
وتسود الأوساط الاسرائيلية تقديرات أخرى تفيد بأن الخيبة الفلسطينية من تداعيات الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية، بصفة مراقب، التي بقيت على الورق فقط، دفعت الأوساط الفلسطينية الى رفع مستوى التوقعات من زيارة أوباما وامكانية أن تدفع خطوات سياسية جوهرية.
في موازاة ذلك، تواصل القيادة السياسية الاسرائيلية محاولاتها احتواء الموقف عبر «تهدئة الخواطر»، سواء من خلال الاتصالات التي يجريها منسق أعمال الحكومة في المناطق اللواء ايتان دانغوت مع رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، أو رئيس الشعبة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع اللواء عاموس جلعاد، الذي زار الأسبوع الماضي القاهرة لإطلاع المسؤولين المصريين على التطورات الأمنية في المناطق.
وفي سياق الاتصالات التي تقوم بها الإدارة الاميركية عبر وزير الخارجية جون كيري، ذكرت صحيفة «معاريف» أن من غير المستبعد أن توافق اسرائيل على تنفيذ عدد من الخطوات، قبيل زيارة أوباما، مثل تحرير عدد من أسرى حركة «فتح».
من جهتها، رأت صحيفة «هآرتس» في افتتاحيتها أن «العنوان كان مكتوباً على الجدار منذ زمن بعيد»، وعليه فإن «التظاهرات والاضطرابات التي اندلعت في الآونة الأخيرة في المناطق المحتلة لا يفترض أن تفاجئ أحداً، وخصوصاً بعد سنوات من الجمود السياسي والحملة الانتخابية التي تجاهلت الاحتلال بقدر كبير»، فضلاً عن التصريحات التي أدلى بها العديد من القيادات الاسرائيلية والتي أكدوا فيها أن الموضوع السياسي هو في أسفل سلم أولوياتها، الأمر الذي جعل الفلسطينيين يشعرون باليأس، وبيّن لهم أن لا أفق سياسياً يراهنون عليه لتغيير واقعهم.
وأضافت «هآرتس» أن ما عمَّق اليأس الفلسطيني الخطوة التعسفية المتمثلة في قرار البناء في منطقة «إي _ 1»، واعادة اعتقال 14 محرراً من صفقة «الأحرار» (شاليط)، وقتل متظاهرين، إضافة الى الوسائل القاسية التي يستخدمها الجيش لمنع التظاهرات وتنكيل المستوطنين، التي تصاعدت أخيراً، فيما لم يقم الجيش والأجهزة الأمنية بأي خطوات لإحباطها. هذا فضلاً عن النجاح النسبي لحركة «حماس» في غزة خلال، عملية «عمود السحاب»، في ليّ ذراع إسرائيل.
وأكدت الصحيفة أنه في ضوء كل ذلك، فإن مسألة اندلاع انتفاضة فلسطينية أخرى ليست سوى مسألة وقت وفرصة مناسبة، وقد يكون الإضراب المتواصل عن الطعام لعدد من السجناء ووفاة أحدهم عود الثقاب الذي يشعل النار.
وأشارت «هآرتس» الى أنه في حال لم تضع الحكومة المقبلة الموضوع السياسي على رأس سلم أولوياتها، فإن التظاهرات لن تتوقف، وإن الفلسطينيين أثبتوا أنه لا يمكن الهرب من بحث مصيرهم، حتى لو حاولت إسرائيل الاشتغال بمواضيع أخرى.
من جهة ثانية، رأى الكاتب ناحوم برنياع، في افتتاحية «يديعوت أحرونوت»، أن «التجربة تعلمنا أن الانتفاضات لا تولد بقرار منظم، بل من الحياة والريح والجو والفضاء؛ فالنار الصغيرة يمكن أن تصبح ناراً كبيرة أو تبقى صغيرة». ولفت الى أن متخذي القرارات من الطرفين يسكبون «النفط والماء على النار بين الحين والآخر، كلٌ بحسب حاجاته السياسية». لكنه عاد وحذر، لأن القيادات السياسية توهم نفسها بأنها قادرة على السيطرة على مستوى اللهب، مؤكّداً أنه في حال نشوب انتفاضة ثالثة لن يستطيع أحد الادّعاء بأنه فوجئ، «لأن التحذيرات مما يحدث في الضفة قيلت في كل منتدى منذ سنتين وأكثر».
بدوره، رأى عمير ربابورت في صحيفة «معاريف» أن حجم الاضطرابات لا يزال بعيداً عن أن يذكِّر بأحداث الانتفاضتين، الأولى والثانية، مقرّاً في الوقت نفسه بأنّ هناك امكانية هائلة لتواصل التصعيد، وخصوصاً أن الرئيس الفلسطيني الحالي، على خلاف سلفه ياسر عرفات، يعارض «الإرهاب»، وعلى هذا الأساس تأتي توجيهاته لقوات الأمن الفلسطينية، لافتا الى أن «مسألة المسائل تكمن في ما يريده أبو مازن وكيفية تصرف جيش» الاحتلال. وأضاف ربابورت أن بعض القلق يلوح على وجه الضباط في هيئة الأركان العامة، بعدما كان هدف قيادة المنطقة الوسطى الحرص على الهدوء، كي يركز الجيش الاسرائيلي على الجبهات الأكثر اشتعالاً، الحدود المصرية والحدود الشمالية وإيران.