القاهرة | «دعوات الأخونة التي تستهدف الجيش المصري لن تفلح». بهذه الكلمات أكدت مصادر عسكرية لـ«الأخبار» استحالة تحويل الجيش إلى مؤسسة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين. استحالة مردّها إلى موقف صارم لقيادات الجيش، تولى وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي إيصاله، بعدما أعطى تعليمات واضحة لقادة مختلف قطاعات المؤسسة بعدم السماح بممارسة أي توجهات سياسية أو ترويج معتقدات دينية تهدف إلى نشر أفكار لها أبعاد لخدمة أجندات معينة. ووفقاً للمصادر العسكرية، فإن «الفريق السيسي في اجتماعه الأخير الذي عقد في مسرح الجلاء يوم 14 شباط الماضي مع قادة وضباط وضباط صف، لقّنهم تعليمات مشددة بضرورة الحفاظ على مصر، واصفاً الحالة السياسية التي تمر بها مصر «بالمريض الذي يسعى الجميع لإسعافه دون الالتفات إلى تحديد حجم إصابته ونوعها»».
ووفقاً للمصادر نفسها، شدد السيسي على «المقاتلين من القيادات العسكرية والضباط وضباط الصف بضرورة مراعاة الدقة في ما يصدر من تصرفات حيال التعامل مع المواطنين أثناء مراحل التأمين التي يقوم بها جنود المؤسسة العسكرية»، إضافةً إلى تشديد وزير الدفاع المصري على تكذيب «أخونه الجيش».
ولم يكن وصف السيسي لادّعاءات تبعية الجيش لجماعة الإخوان المسلمين بأنها «مهاترات»، سوى محاولة منه لتنقية الأجواء المحتقنة في نفوس ضباط الجيش بسبب زيادة الشائعات المتعلقة بتحويل هذه المؤسسة للتخديم على أجندة جماعة الإخوان المسلمين، التي دأبت على توجيه ضربات نفسية ومعنوية للقوات المسلحة لإظهار انتماء قياداتها إلى الجماعة الحاكمة.
وهذا ما حرص الجيش على الرد عليه بطريقة غير مباشرة عبر أكثر من طرف. المتابع لتصريحات رئيس الأركان الفريق صدقي صبحي، أثناء زيارته لمعرض الدفاع الدولي في أبو ظبي الأسبوع الماضي، يجد أن هناك رسالة واضحة بعث بها، تتلخص في أن «الجيش بعيد عن السياسة، لكنه مستعد للحضور في الساحة في ثوان لحماية أمن مصر إذا ساءت الأوضاع»، في موازاة حرصه على التأكيد أن القوات المسلحة ليست طرفاً في النزاع السياسي القائم «وعينها على البلاد ولن تسمح بفوضى».
باطن هذه الرسائل مليء بالتحذيرات الموجهة لكل من يريد العبث بمصر ومستقبلها، بغض النظر عن قيمته السياسية وحجم الدعم الذي يوجه له. وتترافق هذه الرسائل مع رسالة أخرى حرص الجيش على تأكيدها خلال الساعات الماضية، وعنوانها عدم السماح بأي ظاهرة توحي بإمكانية استخدام الجيش ومركباته لتوظيفها لأغراض سياسية، بعد الكشف عن قيام أحد الجنود بوضع ملصقات تحمل شعارات دينية على جسم المركبة التي يتولى مسؤولية قياداتها.
المتحدث العسكري الرسمي للقوات المسلحة، أحمد محمد علي، أكد أنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيال تجاوز سائق إحدى المركبات العسكرية، الذي خالف اللوائح والتعليمات وقام بوضع ملصقات تحمل شعارات دينية على جسم المركبة.
وشدد علي، الذي حرص على وضع الحادث في حال التثبت منه في إطار فردي، على التأكيد أن مخالفة مركبة واحدة لا تعني أن هناك ظاهرة بدأت بالانتشار بين مركبات الجيش وتوظيفها لأغراض سياسية.
ويلقى موقف الجيش في التصدي لمحاولات خلق تيارات سياسية داخله تأييداً واسعاً في الأوساط السياسية المختلفة. الأمين العام للحزب الإسلامي، الذراع السياسية لتنظيم الجهاد في مصر، محمد أبو سمرة، يرى أن أخونة الجيش غير ممكنة، لافتاً إلى أن تنظيم الجهاد ساعد القوات المسلحة في حل الأزمة في سيناء، في إشارة منه إلى حادثة مقتل الجنود المصريين في رمضان الماضي. وأضاف «كانت مؤامرة لإقحام الجيش في المعركة السياسية، ونحن _ كتنظيم جهاد _ ننأى بدخول الجيش في المعارك السياسية». واتهم جهاز الأمن الوطني بالتواطؤ، وبأنه لم يمدّ القوات المسلحة بالمعلومات الكافية عن المخربين.
من جهته، أكد الخبير الاستراتيجي، عضو المجلس العسكري سابقاً، اللواء عبد المنعم كاطو، أن الجيش المصري لن يدخل في مهاترات للرد على ادّعاءات الأخونة، «لأن تاريخ القوات المسلحة وردود فعلها للحفاظ على مصر واضحة لكل من يفكر ويعي خطورة وضع مصر الاستراتيجي في المنطقة، وأهميتها بالنسبة إلى دول العالم». وفيما أكد اتّباع الجيش لسياسة التغاضي عن الإساءات، رأى أن «السجال الدائر حول تسليم المجلس العسكري الحكم لجماعة الإخوان المسلمين يحتاج إلى تأصيل ودليل واضح لا يحتمل اللبس، لأنه لا أحد يعلم ماذا كان يحاك لمصر في الغرف المغلقة بين الأحزاب وأميركا، وموقف المجلس العسكري من ذلك»، لافتاً إلى أن «التاريخ وحده كفيل بإظهار الحقيقة».
يأتي ذلك في وقتٍ تنبئ فيه تأكيدات القادة في الكليات العسكرية باقتراب موعد تصفية الدفعة الطلابية العسكرية الأخيرة التي قبل فيها أبناء جماعة الإخوان المسلمين وبعض الجماعات الإسلامية. وهي تصفية تستند «إلى التصدي بحزم لكل من يحمل أفكاراً تخالف عقيدة القوات المسلحة التي تعلي راية الوطن فوق كل العقائد السياسية المختلفة».
ضمن هذا السياق، يؤكد خبراء الملف العسكري أن شائعة انتماء السيسي للإخوان غير صحيحة ومفتعلة لتصدير اتجاه بأن المؤسسة العسكرية تم إخضاعها للإخوان المسلمين. ويصف الخبراء هذه التسريبات بأنها مجرد محاولة لتضليل الرأي العام لفرض هيمنة إخوانية _ غير موجودة. ويذكّر هؤلاء بأن السيسي وصل إلى منصبه الجديد بترشيح من المشير محمد حسين طنطاوي، وأنه الابن البار له، فضلاً عن أنه التلميذ النجيب للواء عمر سليمان، المدير السابق لجهاز الاستخبارات العامة، إضافة الى كونه كان مديراً للاستخبارات الحربية في فترة النظام السابق.