تونس | فيما بدأ الرئيس التونسي المنصف المرزوقي أمس محادثات مع مسؤولي الأحزاب السياسية لإيجاد خليفة لرئيس الوزراء المستقيل حمادي الجبالي، وتكليفه تشكيل حكومة جديدة تخرج البلاد من أزمتها السياسية العميقة، أكد وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال عبد اللطيف المكي، أبرز المرشحين لخلافة الجبالي، أن حركة النهضة ستقدّم مرشحها اليوم أو غداً في أقصى الحالات إلى المرزوقي. وكان الرئيس المرزوقي قد استقبل صباح أمس وفداً من حركة النهضة برئاسة زعيم الحركة راشد الغنوشي، وضم عدداً من «الصقور» من المعروفين بمعارضتهم الشديدة لتوجه حمادي الجبالي، مثل رئيس المكتب السياسي عامر العريض ووزير الفلاحة محمد بن سالم ورئيس كتلة الحركة في المجلس التأسيسي الصحابي عتيق.
وغداة استقالة الجبالي، الأمين العام لحركة النهضة، التي تقود الائتلاف الحكومي، أصدرت الحركة الإسلامية بياناً قالت فيه ان المشاورات جارية مع عدد من الأحزاب للمشاركة في حكومة ائتلاف وطني تدير ما بقي من المرحلة الانتقالية.
ومن جهته، رأى الغنوشي أن الحكومة الجديدة ستكون على قاعدة وفاق أوسع وستستفيد من «مكاسب» الحكومة المستقيلة، مؤكداً أن تونس بخير وأنها تسير في الطريق الصحيح.
من جهة أخرى، قال رئيس مجلس شورى حركة النهضة فتحي العيادي، إن الحركة لا تزال مصرة على ترشيح أمينها العام لقيادة حكومة جديدة، لكن وفق ما تراه الحركة، لا وفق ما يراه الجبالي. ورأى العيادي أنّ من الصعب أن يتراجع الجبالي عن «شروطه» في ظرف قصير، وبالتالي فإن الحركة قد تضطر إلى ترشيح غيره اذا تمسك بشروطه؛ وأهمها تحييد وزارات السيادة، وحل رابطات حماية الثورة، وتحديد خريطة طريق واضحة، وعدم ترشح وزراء الحكومة الجديدة في الانتخابات المقبلة.
ورأى ملاحظون أنّ تصريحات العيادي بمثابة إعلان ضمني عن حسم الحركة موضوع ترشيح أمينها العام، وبالتالي البحث عن وجه جديد لتشكيل الحكومة. ومن أبرز الأسماء المطروحة الى جانب المكي، نور الدين البحيري وعلي العريض ومحمد بن سالم وعبد الكريم الهاروني. ويبدو أن البحيري والعريض الأكثر حظوظاً، إذ ستُرشّح الحركة أحدهما مقابل التخلي عن إحدى وزارتي السيادة: العدل أو الداخلية.
وإذا كانت «النهضة» قد حسمت أمرها تقريباً في ما يتعلق بالتخلي عن الجبالي بسبب «شروطه»، فالمعارضة لم تحسم بعد موقفها النهائي من اقتراحات رئيس الجمهورية، لكن الاتجاه العام يسير نحو دعم روح مبادرة الجبالي، إذ رفض الحزب الجمهوري المشاركة في الحكومة وجدد تمسكه بالجبالي وفق الشروط التي قدمها، وهو الموقف نفسه لحزب المسار الديموقراطي. أما حزب نداء تونس، فرأى أنه غير معني بتشكيل الحكومة، لكنه دعا الى تفعيل مبادرة الجبالي باعتبارها خريطة طريق عاجلة لإنقاذ البلاد، فيما جددت الجبهة الشعبية دعوتها الى مؤتمر إنقاذ وطني.
بدوره، رأى حزب التحالف الديموقراطي أنه لا حل لأزمات البلاد خارج حكومة الكفاءات. وجدد حزب التكتل من أجل العمل والحريات (الشريك السابق في الحكم) مساندته لروح مبادرة الجبالي باعتبارها تمثل منقذاً للبلاد.
وفي ظل الرفض الذي وجدته «النهضة» من الأحزاب الكبرى، يتوقع مراقبون أن تقدم تنازلات من أجل النجاح في تشكيل الحكومة، من ذلك مثلاً التنازل عن وزارة الداخلية أو العدل، في الوقت الذي ارتفع فيه الجدل عن وجود جهاز أمن موازي تقوده «النهضة» لإخضاع معارضيها.
وتعوّل حركة النهضة على عدد من الأحزاب الصغرى، من بينها حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، لتشكيل ائتلاف حكومي جديد، وكذلك حركة وفاء المنشقة عنه. وتسعى «النهضة» الى بناء تحالف جديد تحت شعار «أهداف الثورة»، ومن خلاله تعمل على إمرار قانون تحصين الثورة بإقصاء من تسميهم رجال العهد السابق، وهو القانون الذي يثير الكثير من الجدل.
كذلك تعوّل «النهضة»على ضمان أصوات أكثر عدد ممكن من كتلة المستقلين التي تضم نحو خمسين عضواً في المجلس التأسيسي بعد تشتت أصوات حليفيها «المؤتمر» و«التكتل». ورغم ان الحركة قادرة على ضمان النجاح عددياً لمقرراتها من داخل قبة المجلس الوطني التأسيسي، فإنها تبقى في حاجة أكيدة الى الوفاق السياسي لطمأنة شركاء تونس إقليمياً، وخاصة الجزائر والاتحاد الأوروبي.
ولعل هذا السبب سيكون وراء ترددها في التخلي عن الجبالي ببساطة، إذ إن أمينها العام نجح في ان يكسب شعبية في الشارع التونسي، وخاصة في أزمة التعديل الوزاري، كما نجح في اكتساب ثقة شركاء تونس. الأكيد ان «النهضة» تملك أكثر من خيار، لكن أحلاهما مر.