عادت السخونة السياسية والقانونية إلى المشهد المصري مرة أخرى بعد الانفجار الذي حدث في العلاقات الإخوانية السلفية على وقع إقالة مؤسسة الرئاسة لمستشار الرئيس السلفي خالد علم الدين بطريقة وصفت بالقاسية، وبعد إصدار المحكمة الدستورية العليا حكماً يقضي ببطلان 10 مواد من قانون الانتخابات الذي أعده مجلس الشورى الذي تسيطر عليه أكثرية إخوانية وأغلبية إسلامية. هذا فضلاً عن استمرار العصيان المدني السلمي لليوم الرابع في محافظة بورسعيد وانتقاله إلى الإسماعيلية ابتداء من اليوم لتكون ثاني مدن القناة التي تعلن العصيان المدني للمطالب بضرورة القصاص من مرتكبي جريمة السبت الدامي في بورسعيد الشهر الماضي و«معاملة شهداء بورسعيد كشهداء الثورة مادياً ومعنوياً».
واقع حاولت الرئاسة المصرية احتواءه، أمس، معلنةً عن تقديم مشروع قانون لاعادة تشغيل المنطقة الحرة في مدينة بورسعيد وتخصيص جزء من عائدات قناة السويس لتنمية مدن القناة الثلاث (السويس، الإسماعيلية وبورسيعد).
بيان الرئاسة كشف أيضاً أن الرئيس محمد مرسي قرر «تخصيص أربعمئة مليون جنيه سنوياً من عوائد قناة السويس لتنمية محافظات القناة الثلاث وخلق فرص عمل جديدة للشباب»، في محاولة لتلبية جزء من مطالب المحتجين.
أزمة ثانية استمرت رئاسة الجمهورية في محاولة معالجتها، مرتبطة بالخلاف مع حزب النور. وفي أول رد فعل لها، اكتفت المؤسسة أمس بإصدار بيان أوضحت فيه أن «قرار إعفاء علم الدين جاء بناءً على ما توافر لديها من معلومات، رأت معها استحالة استمراره في أداء دوره حفاظاً على المكانة التي تتمتع بها مؤسسة الرئاسة، وأنه يتعلق بشخصه، ولا علاقة له من قريب أو بعيد بانتمائه الحزبي»، مؤكدةً احترامها وتقديرها لكافة الأحزاب وتحديداً حزب النور.
إلا أن المتحدث الرسمي باسم حزب «النور»، نادر بكار، اعتبر في تصريحات صحافية لجريدة «اليوم السابع» أن هذا البيان «دليل ارتباك لدى مؤسسة الرئاسة ويؤكد على وجود خطأ حدث من طرف بالمؤسسة وأن هناك محاولة للتغطية عليه بخطأ أكبر منه». وشدد على أن «هناك تلميحات غير نزيهة تؤكد على فكرة الاغتيال المعنوي». وفيما أكد حزب النور أنه يثق في الذمة الشخصية لعلم الدين، اعتبر رئيس الحزب يونس مخيون، أن هناك مستشارين مقربين من الرئيس يورطون الرئاسة في مواقف تضعفها وتفرق الجمع وتشتت شمل الوطن.
تصريحات بقيت جماعة الإخوان المسلمين ملتزمةً الصمت تجاهها في محاولة منها لإثبات حيادية واستقلالية المؤسسة الرئاسية. إلا أن محمد طلعت نمير، عضو مجلس شورى الجماعة، وأمين حزب الحرية والعدالة في الإسكندرية، قال لـ«الأخبار» إن ما يحدث من تصريحات نارية من قبل بكار وحزب النور ضد مؤسسة الرئاسة هو «ابتزاز سياسي، ويهدف إلي إيصال رسالة مفادها نحن نستطيع إرباك المشهد السياسي». وفيما اعتبر هذه التصريحات «مولوتوف من نوع آخر»، أشار إلى أن النور كان يرغب في حصة كبيرة في السلطة التنفيذية وأن علو صوت النور كثيراً جاء بعد انتهاء التعديلات الدستورية، واصفاً النور بأنه ومن يفكر معه «يحرق نفسه».
حدة في التصريحات ترافقت مع بدء الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، والتي تضم لفيفاً من الحركات الإسلامية المتنوعة، محاولة لرأب الصدع بين النور والمؤسسة الرئاسية والإخوان، حتى لا تحدث الأزمة شقاً في الصف الإسلامي قبيل الانتخابات المقبلة. وتزامن ذلك مع إعلان حزب البناء والتنمية، الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، أنه لن يخوض الانتخابات بتحالف مع الحرية والعدالة أو النور.
على المقلب الآخر، بدأت اللجنة التشريعية في مجلس الشورى بشكل عاجل الانتهاء من التعديلات التي طلبت المحكمة الدستورية ادخالها على قانون الانتخابات أول من أمس، وسط جدل شهده اجتماع اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس الشورى حول مدى دستورية ملاحظات المحكمة وضرورة التزام مجلس الشورى بالأخذ بها.
وتمحورت التعديلات حول 10 نقاط تتعلق ببطلان تقسيم الدوائر الحالي وإشراف الخارجية على اقتراع المغتربين، وتوسيع تعريف العامل، وإسقاط عضوية النائب إذا غيّر صفته أو انتماءه الحزبي مع السماح بترشح عضو الحزب الوطني النائب بمجلس الشعب أو الشورى إذا نجح في 2005 أو 2010 فقط وليس في كليهما.
ويبدو أن الإخوان يسعون لأن تكون الانتخابات في موعدها المسرب وهو أواخر نيسان أو أول أيار. فالرئيس محمد مرسي ملزم بأن يدعو للانتخابات في حد أقصى هو يوم 25 من الشهر الحالي. كما أن الجماعة تسعى إلى تهدئة الأجواء المشحونة في البلاد وخفض حدة الاحتجاجات المتتالية بشغل الرأي العام والقوى السياسية بالتنافس السياسي والانتخابي، فضلاً عن استثمار انخفاض رصيد قوى المعارضة في الشارع.
كذلك تحاول الجماعة تفادي تأجيل الانتخابات التي ستأخذ قرابة شهر ونصف الشهر أو شهرين ما بين الاعداد لها وحتى ظهور النتائج.
ففي حال تم تأجيل الانتخابات عن الميعاد المعلن، سيكون قدوم شهر رمضان واختبارات الثانوية العامة عائقاً لوجستياً لإتمامها ومن ثم تؤجل إلى آخر العام مع ما ينطوي عليه هذا الميعاد من مخاطر.
ويواجه مطلب اجراء الانتخابات بعد قرابة الشهرين اعتراضات من قبل القوى السياسية المعارضة التي تطالب بالتأجيل لستة أشهر.
وفيما ترددت أمس أنباء عن محاولة جديدة لجمع قيادات جبهة الإنقاذ بالإخوان يرفضها زعيم التيار الشعبي حمدين صباحي، عقدت الجبهة أمس اجتماعاً جديداً أكدت فيه أن الجبهة لن توافق على إجراء الانتخابات قبل أن تتحقق مطالبها وفي مقدمتها «إجراءات جادة للقصاص من قتلة الشهداء»، والتحقيق بجميع الجرائم، إلى جانب تشكيل حكومة محايدة واختيار نائب عام جديد، وانشاء لجنة قانونية محايدة لمراجعة الدستور.