تونس | لم يتواصل الأمل الذي عقده التونسيون طويلاً على مبادرة رئيس الحكومة حمادي الجبالي. فبعد ساعات من إعلانه إمكانية التوصل الى وفاق بين كل الأطراف، بما فيها حزبه، على حكومة كفاءات اليوم الاثنين، تظاهر أول من أمس آلاف المنتمين إلى حركة النهضة ضد مبادرته بإشراف زعيمها راشد الغنوشي. وأكدت قناة المتوسط أمس أن مجلس الشورى، وهو أعلى سلطة في حركة النهضة، قد رفض مبادرة الجبالي وقرر تشكيل وفد للتفاوض معه. بهذا تكون الحركة قد حسمت أمرها، وبالتالي فإن الاجتماع الذي سيجمع كل الأحزاب الأساسية، والذي سيعقد اليوم، لن يأتي بجديد، إذ يتمسك الجبالي بحكومة تكنوقراط. وقد أكد رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر، أمس، في اجتماع المجلس الوطني لحزب التكتل من أجل الديموقراطية في مدينة صفاقس، مساندة الحزب لمبادرة الجبالي، داعياً إياه الى تطعيم حكومته ببعض الوجوه السياسية حتى يجد صيغة اتفاق مع حزب النهضة.
وكانت بعض التسريبات من اجتماع مجلس شورى النهضة أمس قد أشارت الى أن بعض قيادات الحركة يرفضون التنازل عن وزارتي الداخلية والعدل، وهو ما ترفض أحزاب المعارضة التفاوض في شأنه، إذ ترى أن الشرط الأول لدعم الحكومة الجديدة هو إبعاد النهضة عن وزارات السيادة الداخلية والعدل والخارجية.
أما المجلس الوطني لحزب المؤتمر، فقد جدد رفضه لمبادرة الجبالي، بل ذهب الوزير عبدالوهاب معطر إلى حدّ المطالبة «بمحاسبة» الذين نظّروا لحكومة كفاءات. ولم تدم مناخات التفاؤل طويلاً بعد اجتماع الجمعة في دار الضيافة في قرطاج، حين ظهر الجبالي أمام وسائل الإعلام متفائلاً وكذلك بعض زعماء المعارضة مثل نجيب الشابي والباجي قائد السبسي. فالخطاب الذي سوّقته «المسيرة المليونية» للنهضة يوم السبت الماضي في شارع الحبيب بورقيبة، تمثّل في رفع شعارات ولافتات ضد الإعلام والمعارضة، وخاصة حزب نداء تونس وزعيمه قائد السبسي، وتمزيق صور الشهيد شكري بلعيد وشتم العلمانيين واليسار «الكافر»، ورفع أعلام سوداء لم يعرفها التونسيون في تاريخهم.
وقد قال الغنوشي بوضوح، وسط الآلاف من أنصاره في المسيرة التي حملت عنوان «الوحدة الوطنية والدفاع عن الشرعية»، إن «حكومة التكنوقراط بلا مستقبل» وإنها «انقلاب أبيض واستهداف للشرعية». وأضاف أن النهضة لن تغادر الحكم ما دامت تحظى بثقة الشعب، وهي العمود الفقري لتونس.
اللافت في هذه المسيرة مشاركة وزيرة المرأة عن حزب المؤتمر سهام بادي، التي ردّدت الخطاب نفسه الذي يعتقد الكثيرون أنه لم يعد يغري بالمتابعة، بعد الفشل العام للأداء الحكومي بعد عام ونصف تقريباً. كذلك شارك الداعية الوهابي البشير بن حسن، وألقى كلمة عن ضرورة توحيد جهود الإسلاميين.
في المقابل، كان الانطباع العام بين النخب التونسية سلبياً. فقد عبّر عدد من النقابيين والمثقفين الذين شاركوا في تأبين الزعيم اليساري بلعيد، عن أن هذه المسيرة، التي حضرها نحو ١٣ ألف (حسب وزارة الداخلية) وانتهت بنحو ٦٠ ألف مشارك، كانت رداً على جنازة بلعيد. ورأوا أنها عمقت بشكل واضح الانقسام في الشارع التونسي.
في هذا الوقت، ازدادت المخاوف من الاغتيالات، بعدما أعلن الزعيم النقابي في منطقة الحوض المنجمي عدنان الحاجي وجود مخطط لاغتياله تقف وراءه بعض عناصر حركة النهضة في جهة قفصة، حسبما أفاده به الشخص المكلف باغتياله، الذي وُعِد بالسلاح وبمبلغ مالي وبتسفيره خارج البلاد بعد تنفيذ الجريمة.
لكنّ الجهات الأمنية في جهة قفصة سارعت إلى تكذيب هذا «السيناريو»، واعتبرته سيناريو وهمياً. وذهب مسؤول أمني الى القول لإذاعة «موزاييك» الخاصة، إن المشتبه فيه معروف بقضايا «الإيهام». وقد تم الاحتفاظ به على ذمة التحقيق.
وسبق أن بلّغ المشتبه فيه بقتل الحاجي عن جرائم وهمية. وهو ما نفاه الحاجي الذي قال إن كل اعترافات هذا الشخص موثّقة في محضر أمني رسمي بحضور الشهود، وإنه يطالب بمواجهة بينه وبين الأشخاص الذين قال إنهم طلبوا منه تنفيذ الاغتيال ووعدوه بالمكافأة.
ويذكر أن عدنان الحاجي الملقّب بـ«أسد المناجم» أرّق نظام بن علي، وكان من قيادات انتفاضة المناجم التي لعب بلعيد دوراً كبيراً في تدويلها من خلال المنظمات الحقوقية.
مناخات الشحن التي قد تؤدي الى موجة عنف جديدة في تونس، عبّرت عنها صحيفة «الشروق» أمس بنشرها خبراً، استناداً الى مصادر أمنية، بأن تونس تلقّت تحذيرات جدية عن احتمال تنفيذ عمليات إرهابية.