تقف المرأة الليبية بعد عامين من اندلاع ثورة فبراير أمام منزلق يصفه البعض بالخطر. المرأة التي لطالما كان لها دور بارز في صناعة الحدث في بلدها، ها هي اليوم مهددة بالإقصاء من الحياة السياسية. فالجدل يتصاعد حول شرعية حضور المرأة ما بعد الثورة، في مراكز صناعة القرار منذ مطلع كانون الثاني الماضي، حين طالب عضو المؤتمر الوطني العام السلفي محمد الكيلاني، تحت قبّة البرلمان، بعزل النساء سياسياً، معللاً أسبابه بأن «ملابس النائبات الضيّقة وتبرجّهنّ تعدّ أهم أسباب غضب الله على البرلمان الليبي، الأمر الذي سيؤدي إلى عدم تسيير أمور ليبيا».
الكيلاني ذهب الى أبعد من ذلك حين قال إن النواب سيحاسبون يوم القيامة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه. لكن دعوات النائب السلفي لم تنل رضىً شعبياً، بل قوبلت بإهمال من رئاسة المؤتمر.
المشهد نفسه تكرر في السابق بصورة أكثر خجلاً، حين لم يخف الداعية الإسلامي ونيس المبروك، في مطلع آذار 2011 خلال خطبة، رغبة التوجه الإسلامي في ليبيا «بالحفاظ على كرامة المرأة وذلك بحصر دورها الأساسي في الجانب التربوي الأسري».
وبالرغم من أن المرأة الليبية تعدّ من أوائل النساء العرب اللاتي منُحن حقّ الترشيح والترشح إبان الحقبة السنوسية منتصف القرن الماضي، إلا أنها تجد نفسها اليوم بين مطرقة المحافظة على حقوقها السياسية المكتسبة وسندان مضاعفتها، حيث إنها لم تعرف يوماً الاضطهاد.
الأمر نفسه تكرر إبان الحقبة القذافية، حيث برزت المرأة الليبية بصورة واضحة في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، علاوة على توليها مناصب حساسة في الدولة. فقد كُلّفت مراراً برئاسة المحكمة العليا، إضافة إلى بروزها في السلك القضائي.
بيد أن تزايد الضغوط على المرأة في ليبيا، لم يصل إلى حد التحرش السياسي، بل تعدىّ الأمر إلى التحرش اللفظي. علاوة على الضرب والاعتقال التعسفي، الأمر الذي لم يكن وارداً في السابق. وفيما تشير التقارير الدولية إلى تدني مكانة المرأة في ليبيا، وخصوصاً بعد حصول الناشطة الحقوقية مجدولين عبيدة، في كانون الأول الماضي، على حق اللجوء في بريطانيا، إلا أن الصفعة التي وجهتها المحكمة الدستورية العليا مطلع شباط الجاري كانت بتعديل قانون الأسرة رقم 10 وإلغاء المادة 12 القاضية بعدم أحقية زواج الرجل بثانية إلا بموافقة كتابية من الزوجة الأولى. تعديل اعتبره حقوقيون ليبيون خطوة إلى الوراء. إلا أن قرار المحكمة جاء متوقعاً من قبل المُعسكر الإسلامي في ليبيا، ولا سيما بعد تصريح رئيس المؤتمر الوطني الانتقالي السابق، المستشار مصطفى عبد الجليل، في تشرين الأول عام 2011 أمام الحشود المحتفلة بإعلان تحرير البلاد، حين أكد أن من حق الرجل الزواج بأربع نساء. ولم يحظ هذا التصريح حينها بتعليق شعبي واسع. لكن اليوم بات الأمر مختلفاً ولم يعد أمام النساء إلا أيام معدودة لمحاولة نقض قرار المحكمة والضغط شعبياً وسياسياً في هذا الاتجاه.
رغم كل هذه المعطيات التي تؤكد التحديات التي تواجه المرأة في ليبيا اليوم، إلا أن خبراء الشؤون الاجتماعية ومنظمات حقوق المرأة قللوا من أهمية كل هذه المخاطر، واعتبروا أنّ المرأة تمضي قدماً في الاتجاه الصحيح نحو مشاركة فعالة في صناعة القرار، وأن دورها اليوم لا يقل أهمية عن دور الرجل في بناء مستقبل ليبيا. فالكتلة النسائية في البرلمان الليبي تعدّ واحدة من أفضل كتل البرلمان الممثلة بـ 29 امرأة بنسبة تزيد على 16 في المئة.
ولعل تزعّم المرأة في ليبيا التظاهرات التي نادت بسقوط العقيد في شباط 2011 وإصرارها على المشاركة الفعالة حينها في جميع الميادين، رغم خطورة الوضع، زادا من حظوظها في تولّيها لمناصب قيادية من شأنها المساعدة على إبراز قدراتها الحقيقية.