طرابلس | احتفل الليبيون أمس بمرور عامين على انطلاق ثورتهم في 17 شباط 2011، لكن الاحتفالات الرسمية التي شهدتها مهد الثورة، مدينة بنغازي (شرق)، سبقتها دعوات الى التظاهر لتصحيح المسار، فيما برزت حالة رفض وسط الشباب للوظائف العسكريّة التي باتت الحل الرسمي لمشكلة البطالة، بالتزامن مع تحول ليبيا الثورة نحو الدولة. فليبيا التي تخلصت من حكم العقيد معمر القذافي في تشرين الأول 2011 الماضي، لا تزال الضبابية تسيطر على المشهد العام فيها، إلا أن الليبيين تمكنوا من تحقيق أولوياتهم وإزالة العقبة من أمامهم التي تقف عثرة في طريق التغيير، بينما كانت تكاليف الثورة المسلحة التي فرضت عليهم باهظة على كافة الأصعدة.
وقد ساهم تفكّك المؤسسة العسكرية، المنتمية في الأساس إلى مراكز قوى بعينها في نظام القذافي، بشكل واضح في تفاقم الأزمة الليبية، حيث الفراغ الأمني اليوم بات خطراً يهدد الجميع.
وبالنظر الى الأسباب المعلنة التي انتفضت من أجلها بنغازي في 15 شباط 2011، مطالبة بإسقاط العقيد، فإن موضوع البطالة بات سلاحاً فتاكاً يقتنص الشباب الليبيين. لهذا شرع الساسة الجدد في ليبيا في محاولة الحد من هذه الظاهرة. وبالرغم من أن الأجهزة الأمنية قد احتوت قدر المستطاع غالبية العاطلين من العمل الذين لجأوا إليها، وخصّتهم بمرتبات مجزية، أدى هذا الأمر إلى عسكرة الشباب، في الوقت الذي رفضت فيه شريحة كبيرة من الشباب حمل السلاح، مطالبةً بفرص تدريب وعمل مدني.
وفي السياق نفسه، انتهجت الدولة الجديدة سياسة المنح والعطايا والمكافآت، الأمر الذي اعتبره الخبراء الاقتصاديون إهداراً للمال العام، إلا أنه ساهم بشكل كبير في إنعاش الحركة الاقتصادية الميتة أصلاً. لكن الأمر لم يخلو من تحذيرات من تضخّم اقتصادي قد يفتك بالاقتصاد الليبي الذي لم يتعاف من جرّاء الحرب.
أما على صعيد الحريات العامة، فقد شهدت ليبيا، التي عانت من حكم ديكتاتوري شمولي قمعي، تطوراً ملحوظاً، إذا ما قُرن الأمر بالحقبة القذافية. إلا أن انتشار الميليشيات وتبعيتها لجماعات سياسية ودينية وعقائدية ساهما بشكل لافت في تخوف الأوساط السياسية والشعبية من تهديدها. ويزداد الأمر تعقيداً بصدور تقارير دولية تؤكد سيطرة الميليشيات على سجون بعينها تُمتَهن فيها كرامة الإنسان، بحيث يخشى الليبيون اليوم أن تصبح وصمة عار في تاريخ ثورتهم.
فالثورة التي أطاحت العقيد خلقت على الجانب الآخر أزمة لا تقل خطورة عن الجانب الأمني أو الفراغ السياسي أو حتى الأزمة الاقتصادية، حيث تشير التقارير إلى أن الحرب الليبية قد سبّبت تهجير أكثر من مليون مواطن يُحسَب جلّهم على النظام السابق. هذا الأمر الذي يستدعي تدخلاً قضائياً وسياسياً قوياً للبدء بالمصالحة الوطنية، لا يزال غير مطروح بجدية في أروقة البرلمان الليبي.
ويشير المطّلعون على الشأن الليبي إلى أن السلطات الانتقالية في البلاد لم تكن على قدر كاف من المسؤولية، وأن الصراع على السلطة في ظل غياب دستور ساهم بشكل كبير في تردّي الأوضاع. فليبيا التي لم تعرف النظام الحزبي (الذي لم يشرع إبان الحقبة السنوسية وجُرّم إبان الحقبة القذافية) تشهد اليوم دخول الأحزاب السياسية الى الملعب السياسي بقوة من دون قوانين واضحة في هذا الخصوص، الأمر الذي فتح الباب أمام تخاصم سياسي ضخم في البلاد.
العضو البرلماني عن مدينة بنغازي إبراهيم صهد، خصّ «الأخبار» بحديث طويل تناول فيه جوانب عدة، موضحاً أن أهم الإنجازات التي حققتها الثورة الليبية هو إسقاط القذافي وارتفاع مستوى حرية الرأي العام، الأمر الذي لم يكن وارداً في السابق. وأضاف أن ليبيا خاضت تجربة فريدة في «الانتخابات الناجحة»، موضحاً أن المؤتمر الوطني العام (البرلمان) مستمر في ممارسة دوره الرقابي والتشريعي.
صهد لم ينكر الإخفاقات التي تعاني منها ليبيا اليوم، حيث أكد أن الليبيين تمكنوا من التخلص من رأس النظام وأركانه الأساسيين، لكنهم أخفقوا في اجتثاث عناصر أخرى كانت في السابق مراكز قوى مهمة يعوّل عليها القذافي. ووصف هذه العناصر بأنها لا تزال تعشّش في أجهزة الدولة وتمارس سياسة القذافي ذاتها.
وفي السياق نفسه، أوضح صهد أن السلطات الانتقالية لم تستطع تنفيذ الاستحقاقات الرئيسة، وأهمها تفعيل دور القضاء، ويتمثل هذا في عدم تقديم عناصر النظام السابق إلى المحاكمة، علاوة على تعطّل محاكمات أركان الدولة السابقة»، مشدداً على أهمية إعادة هيكلة القضاء. واعترف بالصعوبات المتمثلة في تركة القذافي، والتي تعرقل الالتفات الكامل الى بناء الدولة، إضافة الى الفقر المدقع والخدمات الصحية المتردية والتعليم المتدني والبنية التحتية المنعدمة. وأكد أن انعدام الأمن وتفشّي الممارسات التي تخل بالأمن والتي تهدد المواطن وتعرقل قرارات الدولة وتحول دون إعادة تفعيل الاقتصاد، أمران يُعتبران من أبرز المعوقات أمام ليبيا. وأكد صعوبة عودة الشركات الأجنبية في ظل الظروف الراهنة، الأمر الذي سبّب أزمة اقتصادية.
بدورها، أستاذة القانون الدولي في جامعة بنغازي، هناء القلال، قالت لـ«الأخبار» إن ليبيا لا تزال في حالة صراع لتحقيق ما ثارت من أجله مدينة بنغازي. ولخّصت المطالب في «بناء دولة القانون والمؤسسات واحترام القيم والكرامة الإنسانية ومحاربة الفساد». وأوضحت أن الأمر لا يزال في بدايته، رافضة توصيف الوضع الليبي بفراغ السلطة. وأكدت القلال عدم وجود سلطة حقيقية على الأرض، موضحة أن «قرارات الدولة لا تُنفّذ في حالات عدة بسبب فوضى السلاح».