ابو ظبي | هو لون السُّرور يغمُرُني في لحظةِ الكتابة، هي الكتابة في أوج تدفق الذكريات، تأتيني كالأحلام، ترقصُ في ثنايا النفس.. تتركُ أثراً آخر، زاداً للكلام. ربّما كانت بيروت في حروف اسمها الجميلة تشدّني الى مكان ما يرسمُ صورةً في مخيلتي ويأخذني إلى حيث الحنين إلى ساعة للكتابة، بيروت المدينة التي أقمتُ فيها، وتعلّمتُ فيها أسرار الحياة، وعلمتني حبّ تّأمل أمواج البحر وهو يخترقها من الجهات، هناك منذ التجربة الأولى في محاولةِ الشعر والعشقِ والأغاني الأخيرة، أكتبُ عن بيروت كأنّي أكتبُ عن فلسطين وأدخلها في هواء الذّاكرة، وأشمّ فيها رائحة الأرض.. الأرض الحقيقية القريبة من بيروت وسمائها الصافية في لونها الزرقاوي المؤنس، حيث فيها نشعر بالحياة ونشعرُ بالأمل وبالمعنى في الوقت الثمين. بيروت هي في الصباح، فيروزةُ الوديان، تشدو في فضائها الفسيح، يقرأ الفلسطيني تاريخهُ فيها ويُلملمُ من شوارعها جراحهُ الأولى ولا يحصي سنوات شتاته. كأنّهُ هو هو، منذ الطلقة الأولى والأعراس التي كانت في ساحةِ الأسطورةِ هي الأعراس المستمرّة في حضنِ بيروت، نُحسُّ كأنّنا ولدنا من جديد خارجين من رحم الأرض إلى الأرض الصغيرة نحلمُ بالحريّة والهوية والعودة، كأنّي أعيدُ البحث في تفاصيل قصيدتي عن بيروت التي سكنت قصيدتي وما تعني لي بيروت المدينة والمكان والمنفى: «مخيم شاتيلا» وصبرا والمدينة الرياضية وشارع الحمراء وصخرة البحر، «الروشة». هناك في الأشياء عفوية الأشياء وكلّ شيء طبيعيٍّ يُزهرُ مثل الحديقة ويصمدُ مثل أهل بيروت أمام الريح العاتية، وفي بيروت بساطة الأحلام يفتحُ المشهد أبوابهُ على حياةٍ أخرى فيها ثقة الذّات بنفسها، كم أحبّ بيروت التي احتضنتني في الزّمن البعيد وقدّمتُ فيها ما قدّمتُ من صراع مع الأيام والأمنيات والعمل في سبيل المستقبل، حيث بكى أبي عليّ وهو يأخُذني من يدي على رصيف الشّارع إلى الشّارع الآخر، حيث كنت سأبدأ نهارا جديدا في بيروت، وحيث بكيتُ عليّ أنا وحدي هنا في مشهدٍ شعريٍّ كان يولدُ رويداً رويداً في داخلي، وينطق باسمها. هي بيروت بكلّ ما فيها من أمكنة تنزرعُ فيك بكل التواريخ والحروب والمراحل، تمرُّ أمامي صورةً بيضاء، سوداء كالفيلم، شاهدةً على مرارة نكبتنا، صاعدةً الينا وإلى النصر القريب، متى ننتصر يا بيروت؟ بيروت في كلّ الجهات، أحنُّ للبحرِ البعيدِ هُناك فيها، ما أرى فيها، كلُّ الحكايا في الزّمانِ وفي المكانِ أحبُّها. بيروت يا أحلامنا الأولى، ويا ورد الحدائق ِفي المدائن، أيّها الحبّ اللصيقُ بنا.