القاهرة | مشهد تكدس السيارات في طوابير أمام محطات التزود الوقود لم يعد مستغرباً في الشارع المصري نتيجة تفاقم أزمة السولار (المازوت) وانعكاسها على سير الحياة اليومية للمصريين. أسباب الأزمة تكاد تكون محصورة بالتهريب ونقص التمويل، فيما المعالجات بعيدة المنال، وخصوصاً أن الأزمة باتت تتكرر على مدى السنوات الخمس الماضية لتجدد غضب المواطنين ومعاناتهم.
كارم عبد الله، يمتلك مقطورة للنقل الثقيل يعيش من عائدها، صب جام غضبه على جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة. فالرجل يخلص إلى أن «الاخوان فشلوا في كل شيء وهم في حديثهم عن التهريب، كسبب وراء اختفاء السولار لا يبحثون الا عن تبرير لفشلهم وسوء ادارتهم»، في إشارة إلى تصريح وزير البترول، أسامه كمال، الذي اعترف فيه بوجود أزمة سولار في السوق لكنه أرجعها إلى التهريب وليس نقص الإمدادات. وشدد على أن الحكومة تطرح 35 ألف طن سولار يومياً بأكثر من 35 مليون دولار.
كارم، الغاضب بشدة من تدهور مستوى معيشته نتيجة تعطل عمله المتكرر، لم ينف وجود التهريب. وأشار إلى أنه شخصياً أصبح يلجأ الى حيل في مواجهة شح السولار من قبيل شرائه مرات مهرباً من مجند في الجيش يسرق الوقود من محطة مملوكة للقوات المسلحة، ومرات من سائقي مقطورات على الطرق السريعة حين ينفد منه السولار فجأة مهما ارتفع السعر، لأن البديل هو مواجهة خطر قطاع الطرق الذين سيهاجمون غالباً المقطورة. وأوضح أنه اضطر مؤخراً لشراء عشرين ليتراً بسعر وصل الى 45 جنيهاً، بينما السعر لن يتجاوز نحو 22 جنيهاً من المحطات.
حسام عرفات، رئيس شعبة المواد البترولية في غرفة القاهرة التجارية، لا ينفي هو الآخر حقيقة وجود سوق سوداء لتداول السولار بأسعار أعلى من أسعار محطات البنزين التي تبيع السولار بأسعار مدعومة من الدولة.
الا أن عرفات في حديثه مع «الأخبار» يلقي باللائمة على الدولة نفسها في ما يتعلق حتى بتهريب السولار، «فكيف يتسرب الوقود من محطات البنزين دون رقابة من الشرطة ومباحث التموين». وتساءل «عما إذا كان حديث وزير البترول ينبغي أن يفهم كذلك على أنه يتضمن القاء اللوم على الجيش على الحدود، في ظل ما يُقال عن تهريب الوقود عبر الأنفاق إلى قطاع غزة».
ووفقاً لعرفات، التهريب ليس بحجم ما يُقال عنه. فالوزير نفسه قدر حجم الوقود المهرب بنحو عشرين في المئة من الإجمالي المطروح في الأسواق، يعني هذا أن التهريب يصل الى سبعة آلاف طن يومياً. وأضاف «هذه الكمية تحتاج الى 3500 ناقلة، بالنظر الى الحد الأقصى لمخزون كل واحدة». وتساءل «كيف يمكن لكل هذا العدد من الناقلات الضخمة أن يجوب البلاد ببساطة لنقل هذه المسروقات دون ان تعترضه اي جهة رقابية أو الشرطة».
ويرى عرفات أن الأمر برمته يستدعي إعادة النظر في مدى صدقية الحكومة بشأن حجم الانتاج المحلي من البترول (يُفترض أنه يؤمن 75 في المئة من حجم احتياجات البلاد) أو بشأن حجم الاستيراد.
وتحدث عرفات عن تقارير تشير إلى وجود نقص بواقع ثلاثين إلى أربعين في المئة من حاجة السوق، حسبما بدا من افادات أصحاب المحطات الخاصة. وفي حين أن هذا النقص قد لا ينطبق على جميع محطات الوقود المملوكة للدولة أو الجيش، لذلك فقد يصل العجز في امدادات السولار على مستوى البلاد كلها الى 35 في المئة.
ويقارب عدد محطات الوقود في مصر 2480 محطة، منها 400 مملوكة للحكومة و 65 للجيش والباقي للقطاع الخاص. وتصل الامدادات للمحطات من مستودعات الهيئة العامة للبترول عبر شركات للتوزيع معظمها تابع للقطاع الخاص باستثناء ثلاث شركات هي «مصر للبترول» و«التعاون» بخلاف شركة «وطنية» التابعة للجيش. أما الاستيراد نفسه فيقتصر على الحكومة فقط، التي تدعم اسعار السولار بتكلفة وصلت الى خمسين مليار جنيه في العام المالي السابق. ويحتمل ان تصل بنهاية العام الحالي إلى 55 مليار جنيه.
وفيما اعتبر محمد سعفان، وهو رئيس النقابة العامة للعاملين في البترول، أن الانتاج المحلي من السولار يدعو للتفاؤل بسبب زيادة وشيكة في الإنتاج من حقول بترول في الصحراء الغربية، تبقى
المخاوف بشأن قدرة البلاد على استيراد احتياجاتها من المواد البترولية، والسولار بصورة خاصة. وتستند هذه المخاوف الى انخفاض غير مسبوق في سعر الجنيه أمام الدولار وصل أول من أمس إلى مستوى قياسي جديد (6.73 جنيهات للدولار).
وعزز هذه المخاوف حديث مسؤول في وزارة المال عن أن تبديل مخصصات الاستيراد من الجنيه إلى الدولار عطل تسديد بعض شحنات السولار مما انعكس سلباً على حجم المعروض.
يبقى أن أزمة السولار انعكست على مختلف نواحي الحياة المصرية، اذ تراجعت امدادات الدقيق لمصانع المخبوزات والحلويات، وادى ذلك إلى ارتفاع الأثمان، وخفض الكميات المعروضة.
كما امتدت الأزمة لتشمل المواصلات. أميرة ابراهيم، ابنة منطقة «الطالبية» الفقيرة في حي الخرم غرب القاهرة، التي تضطر يومياً إلى أن تستقل «الميكروباص» شكت من ارتفاع الأجرة بنحو ربع جنيه نتيجة اضطرار السائقين إلى شراء السولار من السوق السوداء بأسعار أعلى.
أما سائقو الميكروباص أنفسهم فقد قطع العشرات منهم طريق «ماسبيرو» احتجاجاً على شح السولار وما قالوا انه كذب الاعلام الرسمي بشأن حجم الظاهرة، وهي ظاهرة يصعب تحديد تأريخ بدايتها بدقة، لكن الأكيد تكرارها سنوياً منذ العام ٢٠٠٨. وتتكرر الأزمة كل عام مع بداية فصل الشتاء وارتفاع الطلب على السولار للتدفئة في الحقول، ومع بداية فصل الصيف حيث انتعاش النشاط العقاري وارتفاع الطلب على مواد البناء والإسمنت، لا سيما الذي يستهلك كميات ضخمة من السولار.