بن زيغر ليس الحالة الأولى التي تخفي فيها سلطات تل أبيب معتقلاً وراء جدران السجون، وتوغل في عزله عن الاتصال بالعالم الخارجي، إلى حدود إنكار وجوده. التقليد الإسرائيلي بهذا الشأن يعود إلى خمسينيات القرن الماضي، حين سُجلت أولى السوابق على هذا الصعيد، مع اعتقال مردخاي كيدار، العميل التابع للوحدة 131 في الاستخبارات العسكرية بتهمة قتل عميل آخر كان يعمل لمصلحة «الموساد» أثناء مهمة للاثنين في الأرجنتين.
اعتقال كيدار، الذي أُلقي القبض عليه عام 1957، بقي طي الكتمان. وكانت الإشارة الوحيدة لحصوله، خبر يتيم سربته صحيفة «يديعوت أحرونوت» في حينه، تحدثت فيه عن اعتقال «مبعوث سرّي»، قبل أن تفرض الرقابة العسكرية سطوتها على كل التفاصيل الأخرى. ومكث كيدار، سبعة عشر عاماً في أحد الأقسام السرّية التابعة لسجن الرملة، حيث أطلق عليه لقب «السجين كا» قبل أن يطلق سراحه عام 1974، ويغادر إسرائيل ليعود في أواخر التسعينيات ويطالب بإعادة محاكمته، لكن من دون طائل.
بعد كيدار، برزت حالة شبتاي كلمانتوفيتش. وهو يهودي ليتواني جنّدته الـ«كي جي بي» مقابل السماح له بالهجرة عام 1971 من الاتحاد السوفياتي إلى إسرائيل. وفي إسرائيل، نشط كلمانتوفيتش في صفوف حزب «العمل» وعمل مساعداً برلمانياً لأحد أعضاء الكنيست عن الحزب، لكنه اعتقل بعد سنوات واتُهم بنقل معلومات إلى الاستخبارات السوفياتية على مدى 17 عاماً. أمضى كلمانتوفيتش في السجن خمس سنوات، قبل أن يُطلق سراحه على نحو مسبق بسبب وضعه الصحي، وعاد إلى روسيا ليقيم هناك. في عام 2009 تعرض لإطلاق نار من قبل مجهولين في موسكو، ما أدى إلى مقتله ودُفن على اثر ذلك في إسرائيل. حالة إضافية هي العميل السوفياتي، ماركوس كلينغبيرغ، اليهودي البولندي، الذي تجنّد في الجيش الأحمر إبان الحرب العالمية الثانية، وهاجر إلى إسرائيل بعد إنشائها. خدم كلينغبيرغ في الجيش الإسرائيلي وحصل على رتبة مقدّم، وعُين بعد ذلك نائباً لمدير معهد الدراسات البيولوجية المسؤول، بحسب بعض التقارير الصحفية، عن الأبحاث البيولوجية ذات الطابع العسكري. اعتُقل كلينغبيرغ عام 1977، واعترف أثناء التحقيق معه بأنّه عمل في خدمة الاستخبارات السوفياتية لمدّة عشرين عاماً، نقل خلالها معلومات سرّية حول النشاط البحثي البيولوجي والكيميائي لإسرائيل. حُكم على كلينغبيرغ بالسجن عشرين عاماً، وجرى إخفاء أمر اعتقاله طيلة 10 سنوات. وأُفرج عنه أواخر التسعينيات بشروط الإقامة الجبرية، وفي عام 2003 غادر إسرائيل ليقيم في فرنسا. وهناك أيضاً حالة «عميل الذرة» الشهير مردخاي فعنونو، الذي اختطفه «الموساد» من إيطاليا عام 1986، وحوكم وسُجن في إسرائيل لمدة 18 عاماً بتهمة فضح أسرار تتعلق بالمشروع النووي الإسرائيل، الذي كان يعمل فيه فنياً كهربائياً. وكذلك هي حالة العميد في الاحتياط، إسحاق يعقوب، الذي اعتُقل وحوكم على نحو سرّي عام 2001، بتهمة كشف أسرار أمنية في كتاب سيرته الذاتية. ويبقى أن المشترك في معظم حالات الإخفاء التي مارستها السلطات الإسرائيلية هو أنّها حصلت بذريعة حماية أسرار أمنية تابعة للدولة. بيد أن ثمة حالات أخرى أخفت فيها إسرائيل اعتقالها على مدى سنوات لأشخاص وضعت يدها عليهم بطريقة الخطف المباشر، أو غير المباشر من قبل قوى متعاملة معها. والحالة الأبرز على هذا الصعيد تعود إلى الأسرى اللبنانيين الستة، الذين تسلمتهم إسرائيل من القوات اللبنانية نهاية الثمانينيات، وأبقت وجودهم في معتقلاتها سرّاً لما يزيد على سبعة أعوام، قبل أن تعود وتطلع الصليب الأحمر على أمرهم في إطار عمليات التفاوض، التي كانت قائمة في حينه حول تبادل الأسرى مع المقاومة. ولا تزال إسرائيل متهمة بإخفاء الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة، الذين اختطفتهم القوات اللبنانية إبان الحرب الأهلية، وتصرّ طهران على وجودهم داخل إسرائيل.