فتحت قضية السجين اليهودي الأوسترالي السرّي، الذي عمل للموساد وانتحر في أحد السجون الإسرائيلية، الباب أمام سيل من التساؤلات عن إمكانية وجود أسرى ومعتقلين في السجون الإسرائيلية غير معلن عنهم، وعن طبيعة المعلومات التي كانت تخشى إسرائيل كشفها لو أُطلق سراحه.
واحتلت قضية «السجين الأمني» المعروف باسم «بن زايغر»، وباسم عبري هو «بن الون»، وبحسب جوازه الأوسترالي «بن الن»، الذي انتحر في سجن ايالون عام 2010، صدارة الاهتمام الإعلامي في إسرائيل، وخصوصاً أنّها اقترنت بلقاء عاجل عقده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو مع «لجنة رؤساء التحرير في وسائل الإعلام» الإسرائيلية للطلب منهم التعاون في عدم نشر قضية «محرجة جداً لمؤسسة رسمية».
لكن صحيفة «هآرتس» نقلت عن الصحيفة الأوسترالية «ايغ»، أنّ الاستخبارات الأوسترالية أجرت تحقيقاً مع زيغر قبل اعتقاله في إسرائيل، على خلفية الشكوك بدور تجسسي له، وأنه ضمن هذا الإطار قد يكون سافر إلى إيران وسوريا ولبنان. وأوضحت الصحيفة أنّ التحقيق بدأ معه منتصف عام 2009، قبل ستة أشهر من اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح، وقد أعلنت شرطة دبي أنّ الذين نفذوا عملية الاغتيال استخدموا جوازات سفر، من ضمنها، جوازات سفر أوسترالية. وبحسب الصحيفة الأوسترالية، لا علاقة بين جوازات سفر المواطنين الأوستراليين الإسرائيليين الثلاثة الذين حُقِّق معهم، وعملية اغتيال المبحوح.
ونقل موقع «والاه» العبري عن معلق الشؤون الأمنية، يوسي ميلمان، قوله إنّ «السجين X» (بن زيغر)، كان يهودياً أوسترالياً يعمل للموساد، وأنه ووري في الثرى بالمقبرة اليهودية في مسقط رأسه في مدينة ملبورن في الثاني والعشرين من كانون الأول عام 2010، أي بعد انتحاره بأسبوع.
وأكد وزير الخارجية الأوسترالي، بوب كار، أنّه لم يُطلَع على هذه القضية، وأنّه سيطلب توضيحات من إسرائيل. لكن صحيفة «هآرتس» لفتت إلى أنّه في هذه المرحلة لم تتوجه الحكومة الأوسترالية لإسرائيل بأيّ طلب للحصول على توضيحات، وأكدت تقارير إعلامية أنّ الاستخبارات الأوسترالية تلقّت تقريراً من الحكومة الإسرائيلية عن اعتقال بن زيغر في عام 2010. ونقلت «هآرتس»، أيضاً، عن الناطق بلسان الخارجية الأوسترالية قوله إنّ عائلة المواطن الأوسترالي لم تطلب مساعدة أخرى من الحكومة سوى نقل الجثة، ولم تطلب أيضاً فتح تحقيق.
وبحسب الصحافي الأوسترالي تربور بورمان، الذي أجرى تحقيقاً خاصاً في هذه القضية لشبكة «إي بي سي» الأوسترالية، فإنّ قضية وفاة زيغر الون تنطوي على السرية، متهماً الحكومة الإسرائيلية بإخفاء المعلومات. وأكد بورمان أنّ تفاصيل القضية التي كُشف عنها ستؤدي إلى هزات ارتدادية عابرة للقارات.
وبحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، فإنّ السجين الذي كان يحمل الجنسية الإسرائيلية، كان في عزلة كاملة داخل السجن الإسرائيلي، ولم يكن لدى الشرطة التي كانت تعمل في السجن أدنى معرفة بهوية السجين ولا طبيعة القضية المدان بها وموجود بسببها داخل السجن، لكن الجميع كان يدرك أنه كان خطيراً جداً وكلّ ما يتعلق به سري للغاية، وأنّه كان يخضع لرقابة دائمة ومستمرة، ومع ذلك نجح في الانتحار. وبحسب تقارير إعلامية أخرى، كان زيغر في الزنزانة نفسها التي كان فيها قاتل رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين، يغال عمير.
أما بخصوص أسباب اعتقاله، فنقل بورمان عن رجل أمن أوسترالي سابق، وورن ريد، قوله إنّ «الحديث يدور بالضرورة عن تجسس وخيانة ومعلومات حساسة جداً بحيث يشكل انكشافها للآخرين تهديداً أمنياً فورياً على إسرائيل».
هذا واستغل عدد من أعضاء الكنيست حصانتهم البرلمانية وطرحوا عدداً من الأسئلة عن وجود سجناء سريين في المعتقلات الإسرائيلية، في الوقت الذي تدعي فيه إسرائيل أنّها دولة ديموقراطية وتهتم بحقوق الإنسان. وأثارت أسئلة أعضاء الكنيست الإسرائيلي ردود فعل في وسائل الإعلام الإسرائيلية، ولم تفوّت رئيسة حزب «ميرتس» اليساري زهافا غلؤون فرصة استغلال الحادثة بالقول إنّ «الظاهرة التي يتطوع فيها صحافيون لإجراء رقابة بناءً على طلب السلطات هي أمر غير ديموقراطي»، مشيرةً إلى أنها كانت تتوقع أن تكون هذه الطريقة قد توقفت منذ عشرات السنوات، مضيفةً: «في الديموقراطية هناك شرعية فقط للرقابة بدوافع أمنية والخاضعة للمحكمة العليا للتيقن من مشروعيتها».
وطالبت غلؤون رئيس الحكومة ووزير الأمن الداخلي المثول أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، وتقديم تقرير عن القضية. ولفتت إلى أنّ «من غير المعقول تسليم معلومات للجنة رؤساء تحرير وسائل الإعلام من أجل إخفائها عن الجمهور، فيما يجري إخفاؤها عن أعضاء الكنيست».
ورأى عضو الكنيست عن حزب العمل، نحمان شاي، أيضاً، أنّ «رئيس الحكومة نسيَ أنّه في عام 2013 لا يقبل الإعلام أي إملاءات، ولا يعمل بناءً على إجماع وطني كالسابق»، مضيفاً أنّ «الجمهور الإسرائيلي سيعلم آجلاً أو عاجلاً كلّ ما حصل، ولذلك فمن الأفضل إشراك الجمهور وعرض الحقيقة عليه ضمن حدود أمنية معينة».