التآمر على الحراك الشعبي اليمني بدأ مبكراً. فعندما انطلقت الاحتجاجات بعد خروج الشباب المستقل للاحتفال بسقوط زين العابدين بن علي منتصف كانون الثاني ٢٠١١، ومن ثم التفاعل مع أحداث الثورة المصرية، أيقنت الولايات المتحدة أن اليمن لن يبقى بعيداً عن مسار الانتفاضات، وخصوصاً أن شعار الشعب يريد إسقاط النظام بدأ يتسلل من حناجر المتظاهرين. ولهذا السبب حطّت طائرة وزيرة الخارجية الأميركية في حينه، هيلاري كلينتون، في مطار صنعاء للمرة الأولى في تاريخ علاقة البلدين. يومها التقت كلينتون عدداً من قادة اللقاء المشترك، محذرةً إياهم من تكرار سيناريو مصر وتونس بعدما كان صوت شباب الميادين أعلى من صوت القوى السياسية. قادة اللقاء المشترك فهموا الرسالة جيداً، وبشكل خاص حزب التجمع اليمني للإصلاح، وخصوصاً أن أحد أبرز قياداته حميد الأحمر، الذي كشفت وثائق «ويكيليكس» كيف كان يسوّق لحزبه أمام الأميركيين طالباً منهم إبداء أي ملاحظات على الحزب لمعالجتها لضمان الحصول على دعم بلاد العم سام (راجع عدد الأخبار السبت ٩ نيسان ٢٠١١).
ولذلك، لم يكن اختيار المعارضة، ممثلةً بتكتل أحزاب اللقاء المشترك، تنظيم مسيرة احتجاجية حاشدة، في الثالث من شباط، يهدف في أي لحظة إلى التناغم مع مطالب المحتجين بقدر ما كان محاولة لاستثمار اللحظة لإجبار صالح على تقديم تنازلات سياسية وتصدر المشهد عوضاً عن الشباب.
لكن المفاجأة كانت في استغلال الشباب المستقل هذه المسيرة لنصب أول خيمة اعتصام سرعان ما فضّتها القوات الأمنية قبل أن يأتي الخرق من تعز عاصمة البلاد الثقافية وثقلها المدني، حينما نُظم اعتصام حاشد في الحادي عشر من الشهر نفسه انتهى بتأسيس أول ساحة اعتصام. وسرعان ما انتقلت العدوى إلى صنعاء لتدخل ساحة التغيير في بازار الاستغلال السياسي لأحزاب المشترك. فعندما أيقنت هذه الأحزاب وجود مجموعة من الشباب المصممين على المضي قدماً في اعتصاماتهم واحتجاجاتهم، ما هي إلا أيام حتى بات شباب الأحزاب يزاحمون المستقلين في الشوارع هاتفين بدورهم بكلمة «ارحل» و«الشعب يريد إسقاط النظام». وبعد نصب الخيام في الساحة، تدفقت الأموال بنحو غير مسبوق، ونجح الإصلاح رويداً رويداً في وضع يده على المنصة الرئيسية واللجان التنظيمية ليصبح الحاكم الأول بأمر الساحة. وهنا وقع المحتجّون في أول أخطائهم، بعدما فشلوا في كسر احتكار وصاية الإصلاح على الساحة وقرارها.
لكن من جديد لم يتأخر الوقت حتى يعاد خلط الأوراق؛ فبعد مجزرة الكرامة، في الثامن من ١٨ آذار، التي ارتكبتها قوات صالح بحق المحتجين في الساحة وقتل 53 منهم بدم بارد، كان المحتجون على موعد مع ضربة قاصمة أخرى لحراكهم؛ انشقاق قائد الفرقة أولى مدرع، علي محسن الأحمر، بقدر ما أضعف حليفه السابق بقدر ما فرض وصاية إضافية على الساحة. وبات جنود الفرقة أولى مدرع يتولون تأمين أو بشكل أدق حصار المحتجين ليصبح الحراك أسير ساحة فقدت دورها في الضغط، بعدما بات المحتجون يكتفون بالتظاهر في داخلها إلا في ما ندر، في حين كان الضرب والقتل مصير كل من يحاول كسر هذا الطوق.
وفي موازاة إفقاد الساحة لفعاليتها، كانت الولايات المتحدة بالتنسيق مع السعودية قد بدأت بإنضاج رؤيتها للحل، وهو ما تجلى بطرح مجلس التعاون الخليجي مطلع شهر نيسان ٢٠١١ ما يُعرف بالمبادرة الخليجية. رفض صالح لها أطال أمد التفاوض حولها قبل أن تدخل في مرحلة الجمود نتيجة محاولة الاغتيال التي تعرض لها صالح في حزيران ٢٠١١. خلال هذه الفترة فشل الشباب الثائر والرافض للمبادرة في فرض إدخال أي تعديل على بنودها المذلة، بعدما تبنّب فكرة تغيير رأس النظام من دون العمل على إحداث تغيير جوهري في تركيبته.
وما أن أقدم صالح واللقاء المشترك على توقيع المبادرة الخليجية في ١٣ تشرين الثاني من العام نفسه، حتى جاءت الانتخابات الرئاسية التي فرضت عبد ربه منصور هادي رئيساً توافقياً للبلاد حتى عام ٢٠١٤ لتدخل البلاد في بازار سياسي جديد عنوانه حكومة الوفاق الوطني التي استغلها الإصلاح.