نيويورك | بات الأميركيون يرون أنّ الوضع السوري يهدّد بتفجير صراع لا ينتهي. صراع لا يخرج منه رابح، وخسارتهم قد تفوق كل تصوّر، ولا سيّما أن لديهم في المنطقة منابع الطاقة والقواعد العسكرية المتقدمة، من ضمنها إسرائيل. وعليه، بحسب مسؤول روسيّ رفيع المستوى، لقد نظروا إلى مدّ يد رئيس «الائتلاف» أحمد معاذ الخطيب للحوار بشكل مختلف عن الدول الإقليمية، التي تواصل عسكرة سوريا ولم تسقط الرهان على إسقاط الحكم فيها. المسؤول الروسي متابع بدقة للوضع السوري، وقد تحدث عن بصيص نور في عتمة الأزمة. وإن كان يعرب عن أسفه من الشروط الصعبة التي وضعها رئيس الائتلاف السوري المعارض، إلا أنه شبّه موقف الخطيب بـ«الخطوة الشجاعة» التي أقدم عليها الرئيس المصري أنور السادات بذهابه إلى القدس المحتلة. قال إن الوضع «في غاية الخطورة، ويقتضي الشجاعة» لأن الفشل يفتح الباب أمام كل الاحتمالات، بما فيها نشوب حرب لا تنتهي. المسؤول الروسي انتقد دولاً إقليمية وأخرى خارجية تزعم حيادها وسلميتها، «لكنها تعمل على عرقلة الحوار بدلاً من تشجيعه».
وكشف المسؤول عن ثلاثة اجتماعات تمت مع الولايات المتحدة والأخضر الإبراهيمي بهدف حلّ الأزمة السورية، ضمت نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، الموفد العربي والدولي والأخضر الإبراهيمي، ومساعد وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز، وليس عن اجتماعين كما ورد في الإعلام. ورأى أنها اجتماعات مهمة للغاية كونها تعبّر عن خشية الأطراف، ولا سيما الأميركيين من تدهور الأمور وانزلاقها نحو الأسوأ. وأضاف «إذا تمتع الخطيب بشجاعة ودخل إلى الحوار متجاهلاً الانتقادات التي ترد من هنا وهناك، فإنّ أطرافاً أخرى في المعارضة ستنضم إليها أيضاً».
الروس ينتظرون من الطرفين التنازل والتلاقي في منتصف الطريق. لكن المعارضة مقسمة وخياراتها ليست داخلية تماماً حسب رأيه، فيما الحكومة السورية تضع شروطها قبل الحوار، كما فعل الخطيب.
المسؤول لفت إلى أنّ موسكو غير راضية عن مقاربة الإبراهيمي بشأن إعادة تفسير مضمون وثيقة جنيف، إذ طلب الأخير أن ينصّ الشق المتعلق بالحكومة الانتقالية على صلاحيات كاملة ضمن قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي.
في موازاة ذلك، لا يرى القيادي الروسي أنّ عقد قمة بين الرئيسين فلاديمير بوتين وباراك أوباما مفيد لحلّ الأزمة في سوريا «لأن القوى المتصارعة ليست تحت سيطرة موسكو أو واشنطن. كما رفض القول إنّ النظام هو من حوّل التظاهرات السلمية إلى حرب أهلية مسلحة. وأوضح «في البداية، كانت هناك تظاهرات سلمية ومن خلفها عمل عناصر على تخريب البلاد. شنوا هجمات مسلحة على مبان حكومية. عندها ضغطنا وطلبنا من الحكومة إجراء حوار مع المعارضة وتغيير الدستور. وفعلوا، لكن ليس بما يكفي لتبديد مخاوف المعارضة». وأضاف إنّه «في المرحلة اللاحقة، تراجع الحراك السلمي إلى الخلف، وتقدم المسلحون إلى الواجهة».
المسلحون في سوريا ليسوا جميعاً من السوريين، وهذا حسب رأي المسؤول الروسي دليل قاطع على تورط إقليمي ودولي في النزاع. واستشهد بأنّ هناك ما يزيد على خمسين ألف مسلح أجنبي يعملون على الأراضي السورية، بينهم ١٥ ألفاً من مقاتلين على ارتباط بتنظيم «القاعدة». وأشار إلى أنّ هذه الأرقام ليست من مصادر روسية، بل من مصادر نشرت في الصحافة الألمانية مؤخراً.
ويؤكد المصدر نفسه أنّ روسيا لا تسيطر على الأسلحة الكيميائية في سوريا، ويخشى أن تنجح محاولات المجموعات المسلحة للسيطرة على بعضها. وإنّ حدث ذلك فإنه لا يستبعد بتاتاً أن يلجأوا إلى استخدامها من أجل استدراج تدخل عسكري أجنبي لدعمهم، بحجة أنّ الجيش السوري أقدم على استخدام هذه الأسلحة. لذلك فإن روسيا «لا تستطيع أن تكفل شيئاً. فقط تستطيع التحدث إلى الحكومة السورية وشرح المخاطر المحتملة، وهذا أقصى ما يمكن فعله»، فوق أرض تشهد صراعاً مسلحاً إلى أقصى الحدود والمواقع تتغير بين الجانبين. وماذا عن تسليح روسيا للحكومة؟ يجيب: «سوريا دولة لديها الكثير من الأعداء من كلّ جانب، وهي تحتاج إلى وسائل دفاعية، وروسيا تزوّدها بموجب عقود بنظم دفاعية وحسب».
وكشف المسؤول عن أنّ السلاح بات منتشراً في المنطقة بأكملها، بحيث لا تستطيع أيّ دولة الادعاء بأنها تسيطر عليه. وأشار إلى ذكر مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، رون بروزور، مرتين في مجلس الأمن الدولي وصول أسلحة ليبية إلى قطاع غزة مصدرها قطر. وكشف أنّ مندوبة الولايات المتحدة سوزان رايس أثارت، أيضاً، قضية شحنة قطرية وصلت إلى ليبيا، «رغم حظر بيع السلاح الدولي إلى ليبيا بموجب قرارات من مجلس الأمن الدولي». وكان وزن الشحنة، التي تضمّ صواريخ مضادة للطائرات ٢٠ ألف طن، وهذه الكمية تكفي لإحداث تغيير نظام في دولة، برأي المسؤول. وهذا ما حصل في مالي وما قد يحصل في دول أخرى مجاورة، إذ إنّ «القطريين نشروا السلاح من ليبيا في كل اتجاه».
والمقلق حسب رأيه، أنّه عندما تثير روسيا هذا الموضوع في مجلس الأمن الدولي وخارجه تواجه بالتقليل من شأنه. وشدّد على ضرورة أن تشمل معاهدة تجارة السلاح، التي يعمل على إنجازها، مراقبة الشحنات غير الرسمية من هذا النوع. ونفى علمه بشحنة فرنسية من الصواريخ بيعت إلى ليبيا بقيمة تصل إلى مئة مليون يورو في صفقة تمتّ بالرغم من عدم رفع حظر السلاح عن ليبيا حتى الآن.
كما تحدّث المسؤول عن دور الحكومة السورية، عبر الهلال الأحمر السوري، في إيصال المعونات الإنسانية إلى المدنيين. وقال إنّ فتح طرق مساعدات خارج إطار السيادة السورية غير مقبول، لأنّ الحكومة تخشى نقل السلاح إلى المعارضة مع المواد الإنسانية. وهذا الموضوع أثير مع الأطراف الغربية، ولا سيّما مع فرنسا، وتمّ التوصل إلى تفاهم حوله بحيث لم يعد وارداً في بيان صحافي، كان مجلس الأمن الدولي سيصدره. لكن عرقلة البيان استمرت من قبل الأميركيين.
روسيا تخاف التغيرات الحاصلة في المنطقة، ولا سيّما سيطرة الأحزاب الإسلامية على الحكم بأجندات ملتبسة، بعضها يدعم «القاعدة» علناً. ولم يستبعد أن يكون الثوار الشيشان يعملون في سوريا، نافياً علمه القاطع بذلك. وإذا تأكد الأمر، فإنه سيكون مقلقاً للغاية، حسب رأيه.