عادت حركة النهضة، أمس، لتعدل في موقفها الرافض لمبادرة امينها العام رئيس الحكومة حمادي الجبالي بتأليف «حكومة تكنوقراط»، في وقت اكدت فيه الرئاسة التونسية أن القرار النهائي بيد المجلس الوطني التأسيسي.
موقف النهضة الجديد جاء عقب اجتماع رئيس الحركة راشد الغنوشي مع رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي، ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر، وكبار المسؤولين في الدولة من امن وجيش.
واعلنت الحركة النهضة عبر القيادي المستقيل من الحكومة، لطفي زيتون، «مساندتها لحكومة تكنوقراط» بقيادة حمادي الجبالي.
بدوره، عاد الجبالي أمس ليجدد تمسكه بتأليف حكومة تكنوقراط، رغم رفض حزبه، واكد أنه لن يذهب إلى المجلس الوطني التأسيسي للحصول منه على «تزكية» لهذه الحكومة. واضاف إن الامر لا يستوجب موافقة الجمعية التأسيسة، لأنه لن يحل الحكومة، لكنه يعتزم تغيير جميع اعضائها.
ونقلت وكالة «الانباء الرسمية» عن الأمين العام لحركة النهضة قوله «أنا متمسك بقراري بخصوص تأليف حكومة تكنوقراط، ولن أذهب إلى التأسيسي لتزكيتها، وتركيبة هذه الحكومة جاهزة تقريباً».
وبقيت المبادرة محل نقاش وانتقاد من قبل الكتل السياسية في المجلس التأسيسي، وخصوصاً حزبي المؤتمر وحركة وفاء، المنشقة عنه، التي شدد رئيسها رؤوف العيادي على أن الجبالي تنازل بسبب ضغوط الاحزاب السياسية، وخاصة نداء تونس وحلفائه. ورأى العيادي أنه لا معنى لحكومة «كفاءات» لأن كل «الكفاءات» من نتاج نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. وطالب بتتبع كل من يدعو إلى حل المجلس الوطني التأسيسي باعتباره « انقلاباً على الشرعية».
الأزمة السياسية التي تعيشها تونس، والتي استفحلت بعيد اغتيال شكري بلعيد، دفعت عدداً من «المستقلين» إلى تقديم مبادرة سياسية دعوا فيها إلى تجريم العنف والدعوة إلى التفرقة والعنف بين التونسيين. ودعا المستقلون في بيانهم إلى «التعامل السلمي ونبذ العنف بين الاحزاب السياسية، الذي اصدره المعهد العربي لحقوق الانسان» ورأوا أن الوضع وصل إلى درجة «عالية من الخطورة»، تقضي بتأليف حكومة إنقاذ وطني من كفاءات مستقلة ومحايدة، تكون خطتها مبنية على مواجهة المخاطر الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
ووقّع هذه المبادرة عدد من الشخصيات المستقلة وقدماء الدستوريين، مثل مصطفى الفيلالي والطاهر بوسمة، وبعض الجامعيين المختصين في الحقوق والاقتصاد والتاريخ مثل مصطفى كمال النابلي المحافظ السابق للبنك المركزي، والمؤرخ عبد الجليل التميمي وعياض بن عاشور ومحمد صالح بن عيسى وناجي بكوش والفاضل موسى وعبد الباسط بن حسن وغيرهم.
إلى جانب هذه المبادرة، دعت أحزاب المعارضة إلى إنشاء ائتلاف وطني لدعم مبادرة رئيس الحكومة ومبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل للحوار الوطني. وسيضم هذا الائتلاف، الذي هو بصدد الإنشاء الآن ويتوقع أن يعلن عنه يوم الاثنين، أحزاب الجبهة الشعبية بكل مكوناتها، والحزب الجمهوري وحزب نداء تونس وحزب المسار الديموقراطي الاجتماعي والحزب الاشتراكي وحزب العمل الوطني الديموقراطي. ويتوقع أن تلتحق بها بعض الاحزاب والمنظمات والجمعيات إلى جانب حزب التكتل من اجل العمل والحريات، الذي اصبح عملياً اقرب إلى هذا الائتلاف بعد اعلان رئيسه مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي مساندته لمبادرة الحوار التي اطلقها الاتحاد العام التونسي للشغل.
ويخشى التونسيون، الذين يأملون أن تجد مبادرة رئيس الحكومة حمادي الجبالي طريقها إلى التنفيذ، من عواقب فشل المبادرة لأن ذلك سيكون مؤشراً على دخول البلاد أزمة سياسية حادة ستكون لها تداعياتها الأمنية. فالتونسيون يرون أن وجود حكومة كفاءات، إضافة إلى تفرغ المجلس التأسيسي إلى كتابة الدستور، سيوفران على تونس الكثير من الوقت وربما الدم، لأن المطالبة بحل المجلس الوطني التأسيسي ستكون لها تداعيات خطيرة على السلم الاهلي.
اعلان الجبالي عن تأليف حكومة تكنوقراط والمساندة التي لقيها من اتحادي الأعراف والشغالين وأحزاب المعارضة من شأنهما أن يفتحا نوافذ امل للتونسيين، بعدما زادت جريمة اغتيال شكري بلعيد من إحساسهم العميق بالإحباط والخيبة بعد كل الآمال التي علقوها على ثورتهم قبل عامين.