أعادت جريمة اغتيال القيادي في الحركة اليسارية التونسية شكري بلعيد طرح عدة أسئلة عن تاريخ هذه الحركة واختلافاتها، وخصوصاً حول تيار «الوطنيين الديموقراطيبن» الذي يعدّ الشهيد أحد قياداته البارزة. تعود جذور الحركة اليسارية التونسية بكل مكوناتها الى الحزب الشيوعي التونسي الذي أسّسه الفرنسيون عام ١٩٢٠. وتدريجاً، مع بداية الاستقلال، أصبح الحزب تونسياً. ورغم تجذّره التاريخي، كما يقول المؤرخ المتخصص في تاريخ اليسار التونسي، الدكتور عبدالجليل بوقرة، «لم ينتشر الحزب اجتماعياً لسببين مركزيين، الأول موقفه من الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية ورفض تبنّي مطلب الاستقلال وتبنّي الائتلاف والاتحاد بين تونس وفرنسا بقيادة الحزب الشيوعي  الفرنسي. وإثر هذا الموقف انفضّ التونسيون عن الحزب. أما السبب الثاني فهو موافقته على قرار التقسيم في فلسطين بعد قيام دولة إسرائيل».  
ورغم محاولة التدارك في الخمسينيات «بتونسة» الحزب وتبنّي الاستقلال، فإنه بقي معزولًا إلى بداية الستينيات، عندما بادر عدد من الشباب الطلبة إلى تأسيس حركة يسارية جديدة في فرنسا باسم حركة «آفاق» تتبنى الاشتراكية والديمقراطية. لكن هذه الحركة، وبداية من عام ١٩٦٧، انحازت الى التيار الماوي المنتشر في أواخر الستينيات في العالم. وقد كان هذا التوجه أحد أسباب بداية الانشقاق داخل حركة آفاق، وبرزت مجموعة انشقت باسم «الوطنيين الديموقراطيين» التي ينحدر منها الشهيد شكري بلعيد. وانطلق نشاطها بإصدار جريدة «الشعلة» سنة 1969، ومن رموزها الأولى خالد الفالح في فرنسا الذي يعدّ أول مؤسّسيها، واتهمت قيادة آفاق هذا التيار بأنه «ستاليني». وفي حين لم تخف الحركة الجديدة توجهها الستاليني، دعت الى التخلي عن المطالبة بتطبيق الاشتراكية مقابل التركيز على ما سمّته آنذاك مقاومة الهيمنة الإمبريالية على تونس وضرورة إنجاز إصلاح زراعي، لأنها كانت ترى آنذاك أن الطبقة الإقطاعية هي التي تمتلك أغلب الأراضي. وشق التيار طريقه في الجامعة بسرعة، وانتشر في الجامعة التونسية، وعرف بمواقفه الراديكالية، وتعرض للانقسام، ووصل به الأمر الى أن يكوّن مجموعات صغيرة ينحصر تأثيرها في بعض المؤسسات الجامعية وبعض نقابات اتحاد الشغل، وخاصة نقابات التعليم. 
محاولات التوحيد  
بعد ١٤ كانون الثاني/يناير، تاريخ فرار الرئيس السابق زين العابدين بن علي، تأسست مجموعة من الأحزاب اليسارية علناً، بعدما كانت تعمل سراً، وأهمها حزب العمال الذي ورث حركة «آفاق»، والحزب الاشتراكي المنشق عنه، وحركة الوطنيين الديموقراطيين التي يتزعمها الشهيد شكري بلعيد، الذي كان يقود تيار «الوطنيين الديموقراطيين في الجامعة»، وحزب العمل الوطني الديموقراطي، وحزب اليسار الحديث، وحزب النضال التقدمي، والتيار اليساري الراديكالي (تروتسكيون)، وحزب الوطنيين الديموقراطيين. ورغم تعدد هذه التيارات اليسارية، لم يجن اليسار من الانتخابات إلا خمسة مقاعد من جملة ٢١٧ مقعداً.  
الحصيلة الهزيلة لليسار التونسي في الانتخابات دفعت الشهيد شكري بلعيد الى العمل بجدية من أجل توحيد اليسار، وخاصة العائلة الوطنية الديموقراطية، ولذلك جاءت مبادرة شكري بلعيد لإعادة توحيد التيار الوطني الديموقراطي في إطار الحزب الوطني الديموقراطي الموحد، لكن هذه المبادرة لم تنجح بدورها في توحيد هذا التيار، ما جعله يقتنع بتوسيع مبادرة التوحيد في اتجاه كل اليساريين، بمن فيهم ورثة حركة آفاق، وخصوصاً حزب العمال الذي كان الوطنيون الديموقراطيون يتهمونه بالإصلاحية، فظهرت «الجبهة الشعبية»، في هذا السياق، التي ضمّت حتى فصائل بعثية، بشقّيه السوري والعراقي. الآن، وبعد رحيل شكري بلعيد، فقدت حركة اليسار التونسي زعيماً عمل من أجل توحيدها بجدية، لكن الرصاص قطف أحلامه.