دمشق | استيقظ سكان دمشق على أصوات اشتباكات وانفجارات يتردّد صداها في كل المناطق. لم يدرِ سكان المدينة القديمة إن كان الجيش هو من يدكّ معاقل «الجيش الحر»، أو أنّ الأخير يستهدف الحواجز العسكرية والأمنية على طول الطريق المتحلق الجنوبي للعاصمة، ليتبيّن لاحقاً أنّ «جبهة النصرة» قد أعلنت عملية «القصاص العادل»، التي تهدف إلى الدخول نحو قلب دمشق. وأعلنت العديد من كتائب الجيش الحر وألويته تبنّيها لهذه العملية، التي أختلفت تسميتها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مثل «معركة دمشق الكبرى» و«الملحمة الكبرى»، وغيرها من التسميات.
أصوات الرصاص والقذائف كست صباح أهل دمشق بالأمس. أهل باب توما يسألون أهل جرمانا عن مصدر الأصوات العنيفة التي تهزّ جدران المنازل القديمة. يجيب أهل جرمانا مؤكدين أنّ الأصوات عنيفة تسمع عندهم أيضاً، فيما يهلع المارّون من شارع بغداد وسط المدينة، مؤكدين أنّ الصوت آتٍ من مكان قريب جداً. لا شيء مؤكد وسط هذه الشهادات، إلا أنّ يوم دمشق كان الأعنف من أي يوم مرّ على المدينة الكئيبة منذ إعلان الجيش الحر «ساعة الصفر» قبل أشهر للسيطرة على العاصمة.
الجيش السوري ردّ بعنف باستهداف مناطق جوبر وحرستا ودوما، بعدما أعلن أول من أمس ضرورة إخلاء هذه المناطق من سكانها تمهيداً لعمليات عسكرية حاسمة. وقد أكدت مصادر عسكرية لـ«الأخبار» تزامن هذه الاشتباكات مع هجوم على أحد الحواجز في منطقة الكسوة، الآمنة نسبياً، ما أدى إلى مقتل ضابط وجندي ووقوع إصابات ضمن صفوف الطرف الآخر، لافتاً إلى أنّ الهدف من هذه الاعتداءات هو تخفيف الضغط عن مسلحي داريا، التي أنجز الجيش السوري شوطاً كبيراً فيها على طريق «التطهير» النهائي؛ إذ من المرجح أن تعلن منطقة آمنة خلال عشرة أيام.
الدمشقيون سارعوا إلى إحضار أبنائهم من المدارس خشية حصول أيّ مفاجآت. لكن شوارع دمشق استعادت الحركة، وعاد الوضع الطبيعي في مناطق دويلعة ــ زبلطاني ــ الكباس. ورغم أنّه يسجل لعناصر الجيش والقوى الأمنية حزمهم غير المسبوق في التشدد خلال عمليات تفتيش السيارات، إلّا أنهم استطاعوا ضبط الوضع في شوارع المدينة.
في القصّاع تسمع أصوات القذائف بين الفينة والأخرى. ولحيّ باب شرقي حكايته، أيضاً، فقد ظنّ أهله أنّ القصف يستهدف الحيّ، ليتبينوا لاحقاً أنها مدفعية الجيش السوري تضرب المناطق القريبة، التي تحتضن مسلحي «جبهة النصرة».
ولم يكن صباح أمس عادياً لسكان الغوطة الشرقية والضواحي الفقيرة المشكّلة لقوس يحيط بشمال العاصمة دمشق، عندما استفاق سكان ببيلا، وعين ترما، والقابون، وحرستا، على أصوات انفجارات شديدة، انطلقت شرارتها الأولى من استهداف الجيش الحر، لحاجز أمني للجيش السوري النظامي في منطقة جوبر بالقرب من جامع حرملة، تبعها استهداف حاجزين عسكريين آخرين ضمن عملية عسكرية، لم تشهد مجمل هذه المناطقة مثيلاً لها، منذ شهر رمضان الماضي. سرعان ما اتسعت رقعة العملية العسكرية الأخيرة، لتصل إلى دوار الزبلطاني، وكراجات «بولمان» العباسيين. وشهدت ساحة العباسيين إطلاق صفارات الإنذار. كذلك شوهدت في مختلف مناطق دمشق البعيدة عن ساحة المواجهات، سحب الدخان الأسود التي تصاعدت في السماء، نتيجة استهداف مدفعية الجيش السوري، التي أطلقت قذائف عديدة من سفح جبل قاسيون ومنطقة حرستا باتجاه مناطق وجود الجيش السوري الحر، وتحديداً منطقة جوبر المعروف أنّها خاضعة بنحو كامل لسيطرة المعارضة المسلحة منذ أشهر.
استمرت المواجهات المسلحة، وتبادل إطلاق الأعيرة النارية والقذائف المختلفة، حتى ساعات متأخرة من المساء الذي شهد حالة من الهدوء النسبي، وعودة حركة السير والحياة إلى طبيعتها، مع زيادة ملحوظة في عدد الحواجز الأمنية التي توزعت في مجمل الشوارع والساحات الواصلة للمنطقة. وأوضح ناشطون معارضون أنّ «السلطات أغلقت ساحة العباسيين وطريق فارس الخوري حين هاجم مسلحون معارضون المتاريس والتحصينات في الطرق بقذائف صاروخية وقذائف الهاون».
ووفقاً للناشطين، فقد دوّت صفارات الإنذار قرب فرع أمن الدولة في منطقة الخطيب قرب ساحة العباسيين، وأعلن الجيش الحر تدمير حاجز حرملة العسكري في حي جوبر وقتل العشرات من القوات النظامية وإعطاب دبابتين، بينما نفى التلفزيون الرسمي وقوع أيّ اشتباكات في العاصمة جملةً وتفصيلاً. وقال مصدر رسمي إنّ «إرهابيين» أطلقوا النار على مركز إطلاق صفارات الإنذار في جوبر، ما أدى إلى انطلاق هذه الصفارات. وتحدّث مقرّبون من الحكومة السورية عن «عملية واسعة للجيش بدأت لفرض طوق خالٍ من المسلحين حول العاصمة، وبخاصة داخل الريف». ولفتوا إلى «تقدّم لوحدات الجيش وسط تغطية مدفعية داخل العديد من المناطق».
في السياق، قال مصدر أمني لوكالة «فرانس برس» إنّ «الجيش يشنّ هجوماً شاملاً» في ريف دمشق، حيث توجد معاقل كثيرة لمقاتلي المعارضة يستخدمونها كقاعدة خلفية في هجماتهم على العاصمة. وأشار المصدر إلى أنّ «كلّ مداخل دمشق مقفلة».
وكان المجلس العسكري الثوري التابع للجيش الحر في دمشق، قد أصدر بياناً طلب فيه من سكان دمشق «عدم الخروج والتجوال في الشوارع إلّا للأمور الضرورية، وخصوصاً في المناطق التي تحصل فيها اشتباكات». وأعلن «المناطق الجنوبية مناطق حرب حتى إشعار آخر».
هي محاولة جديدة لدخول دمشق، كما جرت العادة، عبر البوابة الجنوبية للعاصمة. محاولة فاشلة أيضاً، تشير إلى ثبات النظام واستباقه المفاجآت التي تُعَدّ بهدف إحراجه وتحقيق مكاسب يمكن استخدامها كأوراق سياسية للضغط عليه، في أي تسوية سياسية مقبلة.
وبعيداً عن أجواء العاصمة الملتهبة، أدى انفجاران بسيارتين مفخختين، أمس، في مدينة تدمر بريف حمص، إلى سقوط ضحايا وأضرار مادية كبيرة، حيث قالت مصادر معارضة إن التفجيرين استهدفا مقرين أمنيين، فيما أشارت وكالة «سانا» إلى أنّ التفجيرين الإرهابيين وقعا في حيّ سكني، وأديا إلى استشهاد وإصابة عدد من المواطنين بينهم امرأة.
وفي ريف إدلب، أشارت «لجان التنسيق المحلية» إلى «اشتباكات دارت بين مسلحين معارضين والجيش في محيط معسكري وادي الضيف والحامدية، وسط قصف مدينة معرة النعمان وبلدة كفروما وقرية الرامي في جبل الزاوية».