بدت الساحة المصرية خالية من أي أحداث سياسية محلية تقليدية خلال يوم أمس، لتحل محلها الأحاديث حول خلفيات تصريحات السفيرة الأميركية في القاهرة آن باترسون، على هامش افتتاح مشروعات اقتصادية أميركية في الإسكندرية التي اشارت فيها إلى استمرار السفارة الأميركية في تقريب وجهات النظر بين الحكومة المصرية والمعارضة للوصول إلى نقاط أخذ وعطاء في بعض القضايا المهمة التي تتعلق بالدستور والأقليات وحقوق المرأة والصحافة الحرة، فضلاً عن لقاء الرئيس محمد مرسي مع أعضاء المجلس العسكري وما دار في كواليسه.
وكشف مصدر صحافي، متخصص في الشؤون العسكرية لـ«الأخبار»، أن الاجتماع الذي عقد بين مرسي وأعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وفي مقدمتهم وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، سيطر عليه مناقشة الأوضاع الأمنية الداخلية والحدودية. ولفت المصدر إلى أن حالة من الاختلاف في وجهات النظر بين مرسي والسيسي سادت حول إمكانية نزول الجيش لتأمين مناطق أخرى غير مدن القناة الثلاث (السويس والإسماعيلية وبورسعيد). ورفض السيسي وقادة القوات المسلحة هذا الأمر، مشددين على أن مهمتهم هي تأمين المنشآت الحيوية والأراضي المصرية وما يمس الأمن القومي المصري، ملمحين إلى أن قرار النزول في أماكن كالعاصمة مرهون بحالة الشارع ذاته. وهو ما يخضع لتقدير القوات المسلحة. كما لمّحوا إلى أنهم لا يريدون التورط في شأن من شؤون السياسة أو التورط في مواجهة المتظاهرين بما قد يؤدي إلى قمعهم، طالبين الانتظار لما بعد الجمعة المقبلة لتتضح أكثر صورة الشارع المصري.
ونفى المصدر، الذي كان قريباً من الاجتماع، انسحاب بعض قادة الجيش من الاجتماع كما تردد، لافتاً إلى أن ما جرى هو جلوس مرسي مع السيسي عقب انتهاء الاجتماع بمفردهما ليخرجا من الاجتماع بوجهة نظر تؤكد تفهم الطرفين لدور القوات المسلحة وأهمية إبعادها عن السياسة. وكشف المصدر أن «ممثل الاستخبارات طالب مرسي بضرورة إغلاق الأنفاق بين مصر وغزة».
ويكشف هذا الاجتماع، الذي عقد بطلب من مرسي، وهو الثاني في وزنه النوعي بعد اجتماع مجلس الدفاع الوطني خلال شهر، تأزم الحالة السياسة في مصر على الرغم من الهدوء الذي يسود منطقة قصر الاتحادية خلال اليومين الماضيين. كما يوضح شعور الرئاسة بخطورة انسداد الأفق الحواري والسياسي، بما يعني مزيداً من المواجهات على الأرض في ظل قوى من الفلول تسعى جاهدة للانتقام من الثورة بإشاعة المزيد من الفوضى، وشباب ثائر يريد القصاص ويخشى على ضياع ثورته. ويضاف إلى كل ذلك قوى إسلامية ترى شرعيتها وشرعية رئيسها مهددة، وشرطة تخشى قادتها من المحاسبة وإعادة الهيكلة.
أما على مستوى الجيش، فيبدو أنه يريد لملمة أوراق الأيام الماضية لكسب ثقة الشارع مرة أخرى مع الاحتفاظ بصورة وهيئة «المنقذ» والطرف الذي يلجأ له الفرقاء حالة وجود تهديد لأي منهم. ويهدف الجيش ليكون مع الأزهر المؤسستين الأكثر ثقة لدى القطاع الأوسع من الشعب المصري، بوصف الجيش يمثل العمود الأول في بنيان الدولة كمصدر للقوة، والأزهر البنيان الثاني كمصدر معنوي ممثلاً للدين.
أما عن تصريحات السفيرة الأميركية، الخاصة بتقريب وجهات النظر بين المعارضة والحكومة، فجاءت لتظهر القلق الأميركي من «تشظي» المشهد السياسي المصري الذي قد يفاجئها مرة أخرى، بعدما فاجأتها الثورة بما يعني مزيداً من التهديد لمصالحها الاقتصادية والأمنية. وهو الأمر الذي قد يبعثر أوراق اللعبة ويخرجها مرة أخرى من يدها بعدما جاهدت كثيراً لاحتوائها مرة أخرى.
ورأى الباحث السياسي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عمرو عبد العاطي، في حديث لـ «الأخبار» أن تصريحات السفيرة لا تعني أن هناك وساطة بين الإخوان والمعارضة بقدر ما تعكس رؤية الإدارة الأميركية في عدم الاقتصار على التواصل مع طرف واحد في المشهد السياسي، وأنها تسعى للانفتاح على الرغبة في الانفتاح على كافة الأطراف في إدارة الحوار.
وأشار عبد العاطي إلى أن اللهجة الأميركية تختلف عندما يكون هناك تهديد للمصالح الأميركية المباشرة، مستدلاً بذلك على إتمام صفقة الطائرات من يومين واستمرار المعونة رغم الأحداث التي تمر بها البلاد. ونبه إلى أن الأمن الإقليمي احدى الركائز الأساسية التي تسعى الإدارة الأميركية للحفاظ عليها، منوهاً بدور مرسي في إدارة عملية التهدئة بين حماس وإسرائيل.
وفي خضم هذه التطورات، استمرت حالة التلاسن وتبادل الاتهامات بين جماعة الإخوان المسلمين وجبهة الانقاذ، حيث بادر أعضاء في الجبهة بمطالبة من يحمل أدلة اتهام ضدها أن يتقدم بها لجهات التحقيقات. وانتشر جدل كبير على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» بعدما نشر أحد الاطباء في المستشفى الذي توفي فيه الناشط محمد الجندي شهادة تفيد بأنه لم يمت بفعل التعذيب بل نتيجة تعرضه لحادثة صدم.
وجاءت هذه التطورات بينما تستعد القوى السياسة لمناقشة مجتمعية موسعة حول مشروع قانون التظاهر الذي تعده وزارة العدل، بعدما بدأت لجنة الشؤون العربية والخارجية والأمن القومي في مجلس الشورى مناقشته تمهيداً لإصداره كقانون. ومن خلال الاطلاع على بنود مشروع القانون، يمكن التكهن أنه سيثير حالة عنيفة من الجدل في الأوساط الشبابية والسياسية لما يتضمنه من اجراءات لا تتناسب والحالة الثورية التي تعيشها الأجواء المصرية والحركات الشبابية، كإخطار وزارة الداخلية وأخذ إذن قضائي للسماح بالتظاهرة.