رغم أنّ السمة العامة التي تحكم مرحلة ما بعد الانتخابات العامة في إسرائيل، هي السقوف التفاوضية المرتفعة بهدف تعزيز شروط التفاوض، إلا أن مفاعيل هذه السقوف تصبح أكثر تأثيراً وأهمية عندما يتراجع حزب رئيس الحكومة المكلف، كما هي حال حزب «الليكود» الذي يترأسه بنيامين نتنياهو، إلى 20 عضو كنيست.
لقد حوَّلت نتائج الانتخابات الإسرائيلية، حزب «يش عتيد» (يوجد مستقبل)، إلى طرف حاسم في تحديد طبيعة الحكومة المقبلة وصبغتها السياسية، بعدما نال 19 عضو كنيست، الأمر الذي مكّن رئيسه يائير لابيد، من الإعلان أنه في حال عدم استجابة نتنياهو لمطالبه، فإنه لن ينضم إلى الحكومة، «وسيعمل على إسقاطها خلال عام ونصف عام».
الخطوة الأهم التي ضيَّقت هامش المناورة أمام نتنياهو هي اتفاق لابيد مع رئيس «البيت اليهودي»، نفتالي بينيت، على تقديم موقف موحد: إما المشاركة معاً في الحكومة أو البقاء معاً في المعارضة. ومن الواضح أن الاعتبار الذي دفع الطرفين إلى اتفاق من هذا النوع هو خشية كل منهما بأن يحاول نتنياهو تشكيل الحكومة من دون الآخر، هذا مع الإشارة إلى أنّ كليهما يملكان 31 عضو كنيست، أي العدد الموازي للكتلة التي يترأسها نتنياهو نفسه.
لكن السيناريوهات المقلقة لنتنياهو لا تقتصر على هذا التحالف، بل تنضم إليها إمكانية انشقاق مفاجئة يُقدم عليها رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، في مرحلة ما في المستقبل، رغم عدم وجود مؤشرات حالية على خطوة من هذا النوع. وقد أكّد ليبرمان خلال اجتماع لكتلته أنّه سيركز على تغيير نظام الحكم، وأن هذا الأمر سيندرج ضمن الخطوط الأساسية للحكومة المقبلة، بحيث يتم تعيين رئيس أكبر كتلة تلقائياً لرئيس الحكومة، الذي يمكن إسقاطه بأغلبية 80 عضو كنيست، وعلى أن لا تضم أكثر من 18 وزيراً، كما يشترط أن لا يكون الوزير عضو كنيست، وألا يؤدي عدم المصادقة على الموازنة إلى حل الكنيست، ورفع نسبة الحسم إلى 3 في المئة، وفق صيغة ليبرمان.
في غضون ذلك، تناولت صحيفة «هآرتس» «سلم الأولويات الوطنية» التي بإمكانها أن تحّدد شكل الائتلاف الحكومي المقبل ومضمونه، برئاسة نتنياهو، مشيرة الى ثلاثة أهداف أساسية: تعزيز الجيش الإسرائيلي، وتوسيع الحدود الإسرائيلية من خلال زيادة الاستيطان، إضافة الى دعم المتديّنين الحريديم على حساب خدمتهم في الجيش.
وبحسب «هآرتس»، فإن سياسة الحكومات اللإسرائيلية السابقة، منذ عام 1967، كانت تتمسك بالأهداف الثلاثة وبتعزيزها، منوّهة بأن كل «شرائح المجتمع الإسرائيلي، كانت تنعم بفوائد هذه الأهداف، حيث العلمانيون يكسبون كثيراً من تعزيز المؤسسة العسكرية، بينما تحوّل المتدينون الحريديم من قلّة هامشية ليصبحوا قوة اجتماعية وسياسية مركزية نتيجة لتلقيهم المساعدات المالية، أما المتدينون الصهاينة، فتمتعوا بالتقديمات الاجتماعية التي تصلهم من الجيش، ومن السكن الرخيص في المستوطنات، اضافة الى التأثير السياسي».
ورأت الصحيفة أن الأهداف الثلاثة لا تزال هي العوامل الرئيسية في تشكيل حكومة نتنياهو المقبلة، لكنها أكدت في المقابل أنّ «رئيس الحكومة المكلف سيجد صعوبة في ترتيب الأولويات، اذ إنّ «الليكود» يريد زيادة كبيرة في ميزانية الأمن والدفاع لمواجهة التهديد الإيراني، اضافة الى الاستمرار في الاستيطان ما أمكن في ظل المعارضة الأميركية، أما «البيت اليهودي»، فيضع في مقدمة اهتمامه رعاية الاستيطان والمستوطنين، ويعرض في مقابل ذلك تقليص ميزانية الأمن ومساعدة المتدينين الحريديم، أما الأحزاب الدينية، كشاس ويهدوت هتوراة، فلا يهمها سوى المعاهد الدينية والمساعدات التي تتلقاها».