الترقب والتربص هما سيدا الموقف في مصر، والضبابية هي الملمح الرئيسي له. الإسلاميون ليسوا على قلب رجل واحد إلا في ما يتعلق بعدم قبول سقوط شرعية الرئيس محمد مرسي أو إجراء انتخابات رئاسية أو تعديل أي مواد في الدستور إلا بالطرق التي حددها الدستور ذاته.
أما جبهات المعارضة فمتشظية بين من هو ممسك بالعصا من المنتصف كمصر القوية، وبين حالة انفصال تعيشها قيادات جبهة الإنقاذ عن الشباب الثائر في الميادين. أما مؤسسات القوة في البلاد فحالها ليس أقل ضبابية. الجيش التزم الحياد، فيما سقطت الشرطة بين مطرقة الثوار وسندان الإخوان بعد اعتبار الطرفين أنها ليست محايدة مع أي منهما على مر فترة الاحتقان التي سادت منذ الإعلان الدستوري لمرسي، وهو ما يبدو أن حادثة سحل المواطن حمادة صابر ستشكل تحولاً في النظرة إليها.
ملامح هذا المشهد شكلته خلفيات متنوعة ما بين وثيقة الأزهر التي عوّل عليها لوقف العنف وبين تظاهرات الجمعة الماضية التي أثبتت عجز المبادرة عن تحقيق أي اختراق بعدما توّجت التظاهرات بعنف متبادل بين المتظاهرين والشرطة عند القصر. ولم يكن ينقص هذا الوضع إلا بيان جبهة الإنقاذ الأخير الذي صعّدت فيه سقف مطالبها بصورة غير مسبوقة، معلنةً تأييدها الكامل لـ«مطالب الشعب المصري بإسقاط نظام الاستبداد وهيمنة الإخوان المسلمين على الحكم». كما طالبت الجبهة بمحاكمة مرسي على «جرائم القتل والتعذيب».
صحيح أن القيادي في الجبهة، عمرو موسى، حرص على التخفيف من حدة فقرة إسقاط مرسي بقوله «لسنا في نزاع مع الرئاسة»، إلا أن ما جاء في البيان أشعل الغضب وسط التيارات الإسلامية التي «سخفت» من الطلب على غرار جماعة الإخوان، التي اتهمت أيضاً الجبهة بالتخريب. أما حزب النور فاعتبر ما جاء في البيان غير مقبول. ورأى في هذا المطلب إسقاطاً للمبادرة التي أطلقها واتفق فيها مع الجبهة على بنود رئيسية.
بدوره الأزهر لم يكن أفضل حالاً، اذ رأى في تصعيد الجبهة «استهانة» بوثيقته لنبذ العنف التي وحدت فرقاء النخبة السياسية، معتبراً هو وأطراف مستقلة شبابية أن التهديد برفضها أو الانسحاب منها دليل على عدم الرغبة في نبذ العنف.
إلا أن أخطر التصعيدات التي جاءت بشكل مبطن تمثلت في دعوة الجماعة الإسلامية لتنظيم تظاهرة «لنبذ العنف» عند مسجد رابعة العدوية القريب نسبياً من قصر الاتحادية يوم الجمعة المقبل. إلا أنها لاقت رفضاً من القطاع الأوسع والأغلب من التيارات الإسلامية.
أما الرئاسة، فبالرغم من الاتساع غير المسبوق للهوة بينها وبين المعارضة، بدت كأنها تعيش في كوكب منفصل، بإعلانها عن استمرارها في عقد ثاني جلسات الحوار الوطني من دون أن تحدد موعد الجلسة الثانية التي سيكون محورها «الأمن».
ومن واقع الأحداث، فإن السجال بين جبهة الإنقاذ وجماعة الإخوان بدأ يأخذ منعطف «صراع النفس الطويل». فكلا الطرفين اقتربت شعبيته لدى الشارع الثائر من الصفر. لكن ذلك لم يمنع جماعة الإخوان من التلويح بتعديل أو تغيير في الحكومة، في محاولة منها لتسجيل نقطة في مرمى جبهة الإنقاذ. إلا أن هذا الطرح لا يبدو جاداً. وهو ما تجسد أيضاً في إعلان المتحدث الرئاسي ياسر علي أن الرئاسة ترفضه.
ووسط هذه الفوضى، يبقى للميدان كلمته. وهو ميدان استعاد أمس بعضاً من هدوئه بعد اشتباكات استمرت ليومين متتالين من غير أن يحول ذلك دون ارتفاع عدد القتلى في الأحداث إلى 57 بعد مقتل شاب أمس متأثراً بجروحه. وكان أول من أمس قد شهد استمرار المواجهات أمام قصر الاتحادية، فيما سجل تعرض موكب رئيس الوزراء هشام قنديل في ميدان التحرير للرشق بالحجارة والقنابل الحارقة.