بعد عامين على انطلاق الربيع العربي والآمال التي أثارها، حذرت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التي تتخذ من نيويورك مقرّاً لها، من أن الأنظمة الجديدة، التي انبثقت منه، غالباً ما تتجاهل حقوق الإنسان، مشدّدةً على أنّ التحدي القائم الآن يكمن في بناء ديموقراطيات تعتنق هذه المبادئ. وقال المدير التنفيذي للمنظمة الحقوقية، كينيث روث، في لندن لدى عرضه التقرير العالمي 2013، الذي تعرض فيه المنظمة وضع حقوق الإنسان في أنحاء العالم»، يتبين في نهاية الأمر أن سقوط الأنظمة الديكتاتورية ربما كان الجزء الأسهل «من الانتفاضات التي أسقطت أنظمة متسلطة في عدد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». وأضاف أن «الأصعب هو استبدال أنظمة قمعية بديموقراطيات تحترم حقوق الإنسان».
وجاء في التقرير أن «التوتر القائم بين حكم الأغلبية واحترام الحقوق ربما كان أكبر تحدٍّ تواجهه الحكومات الجديدة»، مضيفاً: «ربما كان قادة الشرق الأوسط بطبيعة الحال متلهفين لممارسة السلطة بموجب انتصاراتهم الانتخابية الجديدة، لكن عليهم أن يحكموا دون التضحية بالحريات الأساسية أو حقوق الأقليات والمرأة وغيرها من الجماعات المعرضة للخطر». وأشارت «هيومن رايتس ووتش» إلى أن «الاختراق الذي حققته أحزاب إسلامية تهدد باستخدام الديانة لإلغاء حقوق المرأة والمنشقين والأقليات»، باعتبار هذه الحقوق «مفروضة من الغرب وتتعارض مع الإسلام والثقافة العربية».
وتعتبر المنظمة مصر، التي تشهد موجة جديدة من أعمال العنف تزامنت مع الذكرى الثانية للثورة، التي أطاحت نظام حسني مبارك، المثال الذي يجسد صعوبة فرض احترام حقوق الإنسان في منطقة تشهد تغييرات جذرية.
ويتضمن الدستور المصري الجديد، الذي أعدّته لجنة هيمن عليها إسلاميون وشكّكت فيها المعارضة، «بنوداً مبهمة حول حرية التعبير والدين والأسرة لها تداعيات خطيرة على حقوق المرأة وممارسة الحريات الاجتماعية التي يحميها القانون الدولي».
وفي ليبيا، التي تعاني هشاشة هيكليات الدولة الموروثة عن نظام معمر القذافي الذي قام على التفرد بالسلطة، تواجه السلطات الجديدة صعوبة في ضبط المجموعات المسلحة التي تشكلت خلال النزاع كما ترتكب الميليشيات التي تسيطر على عدة مناطق «انتهاكات جسيمة مع الإفلات من العقاب».
وبعد عامين على إطاحة نظام معمر القذافي «لا يزال آلاف الأشخاص وراء القضبان، بعضهم موقوفون لدى الحكومة وآخرون لدى الميليشيات، دون أمل بمحاكمتهم قريباً»، وفق تقرير المنظمة. وأعربت المنظمة عن قلقها حول الوضع في سوريا، التي تشهد أعمال عنف مستمرة منذ قرابة عامين. ورأت أن قوات النظام مسؤولة عن ارتكاب «جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم حرب»، بينما ترتكب بعض قوات المعارضة «انتهاكات جسيمة، وخصوصاً أعمال تعذيب وعمليات إعدام دون محاكمة». ورأت المنظمة أنه إذا «أصدر مجلس الأمن قراراً بإحالة الوضع في سوريا على المحكمة الجنائية الدولية، فهذا كفيل بإحقاق العدالة لجميع الضحايا، وهو الإجراء الكفيل بالمساعدة في ردع وقوع المزيد من أعمال القتل والانتقام الطائفي».
وأعربت «هيومن رايتس ووتش» عن أسفها لعدم قيام العديد من الحكومات الغربية، التي تدعم هذا الإجراء بفرض مزيد من الضغوط على روسيا والصين حليفتي سوريا لتتوقفا عن اعتراضه. وشددت المنظمة الدولية على أن إقامة ديموقراطيات فعلية تحترم حقوق الإنسان يمرّ أيضاً بتشكيل مؤسسات حكومية فعالة ومحاكم مستقلة وشرطة مؤهلة. لكنها حذرت من أن صعوبة تحقيق ذلك لا يمكن أن تبرر «التطلع للعودة إلى النظام السابق». وطالبت الدول الأخرى باستخدام نفوذها «وعدم التغاضي عن أعمال القمع، ولو كان ذلك مناسباً على الصعيد السياسي».
وذكرت المنظمة أن دعم الغرب لحقوق الإنسان وللديموقراطية في الشرق الأوسط «تبين أنه غير متساوٍ عندما تدخل في الحساب المصالح النفطية والقواعد العسكرية أو العلاقات مع إسرائيل».
وبخصوص الإمارات، قالت المنظمة إنّ «حلفاء الدولة الخليجية، ومنهم الولايات المتحدة امتنعوا عن الانتقاد العلني للحملة التي تشنها الإمارات العربية المتحدة على حرية التعبير وقمع منظمات المجتمع المدني». وحذرت من أنه «إذا استمرت الإمارات العربية المتحدة في انتهاك حقوق الإنسان الأساسية وقوانين الحظر الدولية الأساسية، فسيضر هذا بصورتها بشدة».
(أ ف ب)