القاهرة | «نحن هنا لحمايتكم»، قالها الشاب الملثّم لـ«الأخبار» عصر الجمعة الماضي، بينما كانت الهتافات ضد جماعة الإخوان المسلمين في ميدان التحرير، في الذكرى الثانية للثورة، تصمّ الأذان. ومهما كان أمر جماعة البلاك بلوك الغامصة التي ينتمي إليها الشاب الذي لم يبدُ من صوته وتكوينه الجسماني وملابسه أنه قد تجاوز الخامسة والعشرين، فقد أوفت الجماعة بعهدها، إذ أنقذت بأداء منظّم، شبه عسكري، فتيات تعرضن لتحرش جنسي جماعي خلال التظاهرات الحاشدة في الميدان مع حلول ليل اليوم نفسه.
وهي أحداث متكررة في تظاهرات الميدان الحاشدة يعرفها تقريباً كل النشطاء، ويلقون باللائمة فيها على السلطات التي يرونها تدفع بعصابات منظمة لإرهاب النساء وإذلالهن ومنعهن من التظاهر.
الشاب الذي رفض الكشف عن اسمه، شرح لـ«الأخبار» كيفية ظهور المجموعة. وبينما كان يقف في مواجهة أحد مداخل ميدان التحرير، أشار بسبابته إلى الميدان قائلاً: «التقى بعضنا ببعض هنا. فأنا مثلاً كنت واحداً ممن خاضوا الثورة منذ أيامها الأولى... لكننا اكتشفنا وهم الثورة السلمية (أحد شعارات الثورة الرئيسية)، ولا سيما بعدما وصل الإخوان إلى الحكم».
وأضاف «أصبحنا على يقين بأن الإخوان لا يلقون بالاً إلى التظاهرات السلمية مهما كانت حاشدة، فهم يرون أن الأمر سينتهي عاجلاً أو آجلاً في غضون ساعات. لكنهم يخشون العنف». ومضى يقول «نعلم أن أعضاء الإخوان جبناء وسيتراجعون في حال تعرض أحدهم للضرب مثلاً، أو احترقت مقارّهم، وهذا ما نستهدفه».
إلا أن محمود غزلان، عضو مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين، لا يرى أن جماعته هي المستهدفة من قبل الجماعة الوليدة «بل الدولة». وأكد لـ«الأخبار» أنه لا يستطيع تصوّر مولدها من العدم. بل إن الكتلة السوداء، من وجهة نظره، لا بد أن تكون تابعة لجهات أخرى تموّلها وتدرّبها. وهو ما نفاه الشاب بتشديده على استقلال جماعته عن كل القوى السياسية من ناحية، وعلى تعدد المجموعات التي تنتهج النهج نفسه من جهة ثانية. ويوضح «نحن لسنا مجموعة واحدة بل مجموعات لا ترتبط تنظيمياً في ما بينها كي نضمن إمكانية الاستمرار، في ظل ملاحقات الشرطة بطبيعة الحال» للمجموعة التي تحولت بين ليلة وضحاها لتكون أبرز الظواهر السياسية في مصر تقريباً، بعدما انتشر العنف ليضرب البلاد طولها وعرضها وصولاً إلى السويس مهد الثورة، اذ اتجهت كل الأنظار إلى الكتلة السوداء، وسط توقعات بأن الكيان الذي لا يعلم أحد حقيقة حجمه ربما يقف خلف الأحداث التي خلّفت شهداء جدداً في اشتباكات مع الشرطة، ما أعاد الكرة مجدداً الى أول أيام الثورة قبل سنتين، حين قدمت المدينة الفقيرة أول شهداء الثورة، وبعدها جاب الغضب مصر ووقف النظام عاجزاً.
الكتلة السوداء تعرّف نفسها على أي حال، على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، بأنها الجناح العسكري للثورة المصرية. ونشرت بياناً رسمياً على الصفحة تقول فيه «نحن مجموعة من شباب الثورة ممن حلموا بالتغيير، وهدفنا الأساسي هو أن نجعل مصر للجميع لا تسيطر عليها طائفة بعينها أو حركة أو حزب. أقسمنا بأرواحنا أننا لن نتراجع عن نصرة ثورتنا والقصاص لدماء الشهداء». ومما جاء في البيان أيضاً «هدفنا هو استهداف مؤسسات النظام الحاكم الفاسد الذي تواطأ مع الفلول والعسكر ضد الثوار، فنحن لا نمسّ الممتلكات العامة والخاصة للشعب المصري، فنحن ثوار وليس بلطجية ولا نسعى أبداً إلى أن نروّع أهالينا واخواتنا في الشوارع». وفي ختام البيان أعلنت المجموعة «مسؤليتنا الكاملة عن استهداف فرع (متجر) التوحيد والنور، التابع لأحد أفراد جماعه الإخوان المجرمين في منطقه شبرا». وفي تسجيل مصوّر لإحدى المجموعات الملثّمة على موقع «يوتيوب»، قال أحد الأعضاء من خلف لثامه إنه «كان علينا الظهور بشكل رسمي لمواجهة نظام الطاغية الفاشي بذراعه العسكرية». وحذر وزارة الداخلية من مواجهتهم. ونفذوا عرضاً عسكرياً في المقطع المنشور.
وفي صفحة على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، أعلنت مجموعة أخرى تسمّي نفسها «كفاح الأناركية» مسؤوليتها عن حرق أحد مباني السكة الحديد أمس في القاهرة. أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، مصطفى كامل السيد، أوضح لـ«الأخبار» أن مخزوناً من السخط والكبت لدى قطاعات كبيرة من شباب الثورة هو ما يدفعهم إلى التعبير عنه بصور غير سلمية. وأضاف ما جرى «هو نتاج لحالة الانفلات العامة المسيطرة على الشارع، والمعارضة لم تستطع احتواءهم، وجبهة الإنقاذ الوطني (أبرز فصائل المعارضة) لم تستطع التحكم فيهم، والقيادة السياسية هي الأخرى لم تقدر على احتوائهم». ولم يستبعد احتمال أن «يكون ثمة عناصر معادية مندسة أقدمت على تلك الأفعال لإثارة الذعر بين الناس من المشاركة في التظاهرات».
وفي كل الأحوال يصعب تجاهل الخلفية التاريخية لجماعات العنف الثوري. في إيطاليا ظهر الكفاح المسلح في عام 1968، بعد أن بدأ الطلبة الاحتجاج على مظاهر الفساد الحزبي، وتحركت معهم نقابات عمالية واجهها النظام اليميني بالقوة، وأدى إلى مذبحة بياتسا فونتانا ضد الطلاب والعمال اليساريين في كانون الأول 1969. بعدها بدأ اليسار الثوري تنظيم نفسه والاستعداد للمواجهة المسلحة. وظهرت منظمة أطلقت على نفسها اسم «اكتوبر» وحملت السلاح، بعدها أيضاً ظهرت منظمة الألوية الحمراء المسلحة، ونفذت عدداً من الاغتيالات. الوضع في إيطاليا انعكس مباشرة على ألمانيا وظهرت في سبعينيات القرن الماضي جماعة بادر ماينهوف «الجيش الأحمر» التي اتخذت الأسلوب نفسه في حمل السلاح.
في مصر كذلك ظهرت جماعات حملت السلاح. ففي السبعينيات ظهرت الجماعات الإسلامية والتنظيمات التي انبثقت منها ونفذت العديد من العمليات المسلحة بدعوى معارضة النظام. وكذلك نشأ في الثمانينيات ما سُمّي «تنظيم ثورة مصر» المسلح بعد توقيع الرئيس الأسبق أنور السادات معاهدة «كامب ديفيد» مع إسرائيل، وهو تنظيم ناصري كان يستهدف من يعتبرهم عملاء الموساد في مصر. ونفّذ عدداً من عمليات الاغتيال بحقهم. أيضاً ظهر ما سمي تنظيم «المطرقة» المنشق عن الحزب الشيوعي المصري، وحاول إنشاء جناح عسكري، وألقي القبض على تنظيم ثورة مصر والمطرقة في أواخر الثمانينيات.
(ساهم في التقرير: محمد الخولي)