الخرطوم | أعاد الغموض، الذي لف ما جرى صبيحة الحادي والعشرين من الشهر الحالي في إريتريا، عندما اقتحمت مجموعة عسكرية لا يتعدى قوامها 200 جندي عدة مقار حكومية، بينها وزارة الإعلام، التذكير بمدى الانغلاق الذي تعيشه الدولة الأفريقية الصغيرة منذ أن انفصلت عن إثيوبيا عام 1991. ضبابية تكاد تكون حتمية في ظل القيود التي تحد من دخول الصحافيين الأجانب إلى البلاد، فضلاً عن أنه لا توجد في إريتريا سوى إذاعة ومحطة تلفزيون وصحيفة، جميعها حكومية. ما جعل مواقع المعارضة في الخارج المصدر الوحيد للصحافة في التقاط إشارات عما يجرى. ضمن هذا السياق، تحدث الصحافي الإريتري حجي جابر، المقيم خارج البلاد في مقال نشرته عدة مواقع الكترونية، عن 4 سيناريوهات لما جرى. أولها أن يكون الجيش الإريتري قد قضى بالكامل على المجموعة التي نفذت المحاولة الانقلابية التي حددت مجموعة من المطالب الداخلية، بينها الافراج عن السجناء السياسيين. وهو السيناريو الأضعف لأنه لم تكن هناك معارك رصدها الأهالي، ولم يبث بيان الانتصار من الحكومة. أما السيناريو الثاني، وفقاً لجابر، فيتجسد في أن تكون القوة الانقلابية لا تزال تسيطر على المرافق التي احتلتها. وهو سيناريو أيضاً ضعيف باعتبار أن البث التلفزيوني عاد في اليوم نفسه وحركة الموظفين عادية، بينما يتحدث السيناريو الثالث عن أن يكون الانقلابيون قد عادوا إلى ثكنهم بعد تفاهمات مع الحكومة ووعود بتنفيذ مطالبهم. وهو احتمال قد يكون وارداً لوجود سابقة مشابهة حدثت عام 1993 حين احتجّت مجموعة عسكرية على سوء الأوضاع. يومها حُلت المشكلة بوعود شخصية من الرئيس الاريتري اسياس أفورقي، لكن ما يضعف هذا الاحتمال أن أفورقي لم يلتزم حينها بالحل. يبقى السيناريو الأقوى، حسب جابر، هو أن هذه المجموعة ليست سوى عينة بعث بها الجيش، الذي أصبح خاضعاً لسيطرة قادة مناوئين للرئيس، كنوع من استعراض للقوة، وهو يسيطر الآن تماماً على الوضع، ويطوّق أسمرا ومطلبه الوحيد تنحي أفورقي. وكان هذا الاحتمال الأكثر ترجيحاً حتى بسبب الخلاف الكبير بين أفورقي وعدد كبير من جنرالات الجيش، كما أن سفارات اريتريا حول العالم لم يصدر عنها أي بيان مع أو ضد نظام أفورقي طوال الأيام الماضية، قبل أن يخرج أول من أمس سفير إريتريا لدى الاتحاد الأفريقي، غيرما أسميروم، ليقول إن من تحدثوا عن انقلاب «يريدون أن تتحول رغباتهم إلى واقع». لكن المعارض الإريتري جمال همت، المقيم في السودان، رأى أن ما جرى في أسمرا يمثل بداية نهاية لحكومة أفورقي. وأضاف «إذا نظرنا إلى الأسماء التي قادت العملية، أو ما سمّي محاولة إصلاح، فإن ذلك يدلل على تفكك المجموعة العسكرية من الداخل، هي التي كانت تمثل صمام الأمان لنظام افورقي». ومن أبرز هذه الاسماء العقيد عثمان صالح، القائد السابق في الجبهة الشعبية المتحدة، الذي اشتهر بلقب «البطل الشعبي». وقد أفادت أمس أنباء غير مؤكدة عن توجه الأخير إلى مخيم تابع له في جنوب البلاد، محذراً القوات الإثيوبية من محاولة الاقتراب منه، كما أن من بين قادة التمرد، العميد سعيد علي حجاي، قائد سلاح المدرعات. ولم يخف همت تخوفه من أن تكون المجموعة المنفذة قد وقعت في الفخ إذا قبلت بالوعود الإصلاحية من الحكومة.
ويرى مراقبون أن ما جرى في العاصمة الإريترية دليل على حالة الضيق التي تعانيها حكومة أفورقي، التي بدأت تفقد أكبر قادتها بسبب القبضة الحديدية لرئيسها. وقد تجلى ذلك في حالة التشدد التي بدأت تمارسها حتى على أقرب المؤيدين، فضلاً عن المعارضين الذين يراوح عدد المسجونين السياسيين منهم بين خمسة وعشرة آلاف فرد، في بلد يبلغ عدد سكانه ستة ملايين نسمة، منهم حوالى أربعة ملايين عسكري.
بدوره يرى الصحافي السوداني، علاء الدين بشير، أن التحرك الأخير سيكون له انعكاس في المستقبل القريب على الوضع السياسي لأفورقي، ولا سيما أن النظام يعيش في شبه عزلة دولية. وأوضح بشير لـ«الأخبار»، أن عدداً من معاوني أفورقي المقربين يرون أنه تخلى عن شعارات الثورة، ومضى بالسير في طريق مخالف لما تواثقوا عليه.
أما البروفسير الطيب زين العابدين، الملم بالملف الإريتري، فرأى أن «التمرد وإن فشل وعوقب مرتكبوه فهو بداية لشق الطريق، وتجاوز لخطوط حمراء سيكون لها ما بعدها»، حيث ستتكرر المحاولات الانقلابية.