تونس | في الوقت الذي يصرّ فيه حزبا التكتل والمؤتمر على شروطهما للبقاء في الحكومة، رفضت كل الأحزاب السياسية الرئيسية عروض حركة «النهضة»، ما اضطر رئيس الحكومة حمادي الجبالي الى الإعلان عن تأجيل التعديل الوزاري الذي كان يفترض أن يُعلن عنه يوم الثلاثاء الماضي الى اليوم. تأجيل الإعلان عن التعديل الوزاري في تونس الى اليوم، أو ربما إلغاؤه، ليس الأول؛ فمنذ عشرة أشهر تعيش تونس على إيقاع التعديل المنتظر. وكان رئيس الحكومة قد أعلن منذ الربيع الماضي عن امكان إجراء تعديل وزاري جزئي، لكن الإعلان الرسمي جرى عن طريق راشد الغنوشي، زعيم حركة «النهضة»، في المؤتمر العلني الأول للحركة بداية الصيف الماضي، وكان المقصود منه توسيع الوفاق الوطني نتيجة تعثر الحكومة، وتأجّج الغضب الشعبي وتعطل مشاريع التنمية.
ورغم محاولات حركة «النهضة» المتكررة لتوسيع الائتلاف الحاكم بمنح وزارات للأحزاب بما فيها الوزارات السيادية، كالخارجية والعدل، التي عرضتها على الحزب الجمهوري، فان كل الأحزاب أجمعت على رفض المشاركة في الحكومة، وقد كان آخر الرافضين حزب «التحالف الديموقراطي»، الذي رفض مجلسه الوطني المشاركة في الحكومة رغم أهمية الوزارة التي عرضت عليه وهي التربية، كما جدد الحزب «الجمهوري» في اجتماع لجنته المركزية رفضه الدخول الى حكومة محاصصة جديدة، وقدمت اللجنة المركزية مجموعة من الشروط للدخول في حكومة وحدة وطنية منها مشاركة حزب «نداء تونس» و«الحركة الشعبية» (ائتلاف أحزاب يسارية).
وقد عبّر «نداء تونس» و«الجبهة الشعبية» منذ البداية عن رفضهما المشاركة في أي حكومة، وطالبا بحكومة إنقاذ وطني محدودة العدد من الكفاءات، كما رفض حزب «المسار الديموقراطي الاجتماعي» عرض حركة «النهضة» بالدخول في الحكومة. وطالب بحكومة كفاءات وبتحييد وزارات السيادة، التي تتولاها «النهضة» ووضع خارطة طريق لإنقاذ البلاد. ويلتقي في هذا المطلب مع «نداء تونس» و«الجمهوري» و«الجبهة الشعبية» وبقية الأحزاب، التي لم تُعرض عليها وزارات مثل «الاشتراكي» و«العمل الوطني الديموقراطي».
ورغم رفض هذه الأحزاب عروض «النهضة» السخية (ثلاث وزارات للحزب الجمهوري)، لم ييأس زعيم الحركة، الذي بحث عن حلفاء جدد مثل حركة «الشعب» (ناصريون)، رغم العداء التاريخي بين الاتجاهين، لكن الحركة رفضت الالتحاق بالحكومة وطالبت على غرار الأحزاب الأخرى بخارطة طريق وبتحديد الأولويات، وأهمها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ومشروع إنقاذ اقتصادي وبتحييد الادارة عن التجاذبات السياسية. وحتى حركة «وفاء القريبة» من «النهضة» (منشقة عن حزب المؤتمر) رفضت الدخول في الحكومة الجديدة.
العزلة التي تعيشها «النهضة»، فسّرها عدد من المحللين بخوف الأحزاب من تحمل ضريبة الفشل، وخصوصاً أن حليفي «النهضة» (المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات)، دفعا ثمناً باهظاً من رصيدهما الشعبي بسبب تعثر الأداء الحكومي وغياب أي مؤشر للتنمية بما فاقم من الغضب الشعبي، فضلاً عن سيطرة «النهضة» على كل هياكل الدولة بنفس الطريقة التي كان يمارسها الحزب الحاكم سابقا قبل ١٤ كانون الثاني ٢٠١١.
فشل «النهضة» في إقناع معارضيها بالالتحاق بالحكومة تزامن مع رغبة حليفيها بالخروج منها؛ فبعد التعثر الواضح للأداء الحكومي أصبح هم حزبي «المؤتمر» و«التكتل» إنقاذ ما يمكن إنقاذه باستعادة المبادرة والظهور بمظهر الاختلاف عن أقوى أحزاب الائتلاف الحاكم. وقد جدد حزب «التكتل» على لسان المتحدث باسمه محمد بنور، تمسك الحزب بشروطه وهي أساساً إقالة وزيري الخارجية والعدل، وهو مطلب يلتقي فيه الحزب بالمعارضة. أما حزب المؤتمر، فيطالب هو أيضاً بإقالة وزير الخارجية رفيق عبدالسلام بوشلاكة، بل هناك من يتهم قيادة الحزب بالوقوف وراء تسريب وثائق تدين التصرف المالي للوزير. وكانت المدونة الشهيرة ألفة الرياحي قد سربت وثائق مالية تلقفتها وسائل الاعلام، مما اضطر الوزير الى مقاضاة المدونة والتهديد بمقاضاة صحف وصحافيين ومواقع إلكترونية على خلفية تداولها لهذه الوثائق.
مع ذلك، لم يترك قادة «النهضة» ولا وزراؤها فرصة الا جددوا تمسكهم بالوفاق والحوار، لكنهم في المقابل رفضوا المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، الذي دعا اليه الاتحاد العام التونسي للشغل، ووضعوا شروطاً للمشاركة في مؤتمر الحوار الذي دعا له الرئيس المؤقت محمد منصف المرزوقي.