لم ينتظر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إجراء رئيس الدولة مشاوراته مع الكتل النيابية، وتكليفه بتأليف الحكومة المقبلة، رسمياً، كي يبدأ اتصالاته الائتلافية التي شملت معظم رؤساء الكتل الفائزة، عارضاً عليهم المشاركة في حكومته.
بعد أقل من 24 ساعة على الرسالة التي وجهها رئيس «ييش عتيد/ هناك مستقبل»، يائير لابيد، بأنه لا ينوي الترشح لرئاسة الحكومة، عبر رفضه الانضمام إلى كتلة مانعة مع عضو الكنيست حنين زعبي، عقد نتنياهو معه لقاءً سرياً، في مقره الرسمي في القدس، بعيداً عن موظفي مكتبه وكبار المسؤولين في الليكود، تباحثا خلاله «لمدة ساعتين ونصف ساعة في مختلف التحديات التي تواجه الدولة العبرية، وسبل مواجهتها، كذلك حددا لقاءً آخر سيُعقَد في الفترة القريبة»، بحسب بيان صادر عن اللقاء.
وبحسب مصادر مقربة من نتنياهو ولابيد، جرى اقتراح حقيبتي الخارجية والمالية، على الأخير على أن يختار إحداهما، من دون استبعاد وزارة الدفاع، لكنه غير معني بها، إلا أن مصادر مقربة من لابيد أفادت بأن ضغوطاً تمارَس عليه كي لا يتولى وزارة المالية، في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية التي تمر بها إسرائيل، وفي ظل العجز الحالي للموازنة الذي يستوجب المزيد من التقليصات. وبحسب المعلقة، سيما كدمون، في صحيفة «يديعوت احرونوت»، لن يسارع لابيد إلى قبول وزارة الخارجية، ووزارة الإسكان أو الداخلية تبدو أقرب إلى برامجه الانتخابية.
وأكدت تقارير إعلامية إسرائيلية أن لابيد سيطلب من نتنياهو تقليص «مفتاح توزيع الحقائب الوزارية من وزير لكل ثلاثة أعضاء كنيست إلى وزير لكل أربعة اعضاء كنيست» بهدف خفض عدد وزراء الحكومة. وهو ما قد يضيق من خيارات نتنياهو في إرضاء العديد من مسؤولي حزب الليكود، الذين ينتظرون دورهم في تولي مناصب وزارية في الحكومة المقبلة.
وفي الوقت الذي بادرت فيه الأحزاب المعنية إلى خطوات تأليف طواقم خاصة بإجراء مفاوضات ائتلافية، يبدو أن نتنياهو ينوي بلورة كتلة مانعة في مواجهة الحريديم، عبر تأمين أغلبية نيابية تصل إلى 62 عضو كنيست، من الأحزاب الأخرى التي ستشارك في الحكومة، بهدف إضعاف موقع الحريديم التفاوضي وجعلهم أمام واقع ائتلافي مفروض. في المقابل، تحاول الأحزاب الحريدية (شاس ويهدوت هتوراة) تأليف طاقم مشترك يضم ممثلين عن الطرفين اللذين يمثلان 18 عضو كنيست، بهدف تشكيل ثقل موازٍ لكتلة «هناك مستقبل» التي تبلغ 19 مقعداً، وعلى أن تكون الكتلتان معاً في الامور المبدئية المتطابقة.
وفي ما يتعلق ببقية الأحزاب، أجرى نتنياهو اتصالات أولية مع رئيس البيت اليهودي، نفتالي بينيت، ورئيس كديما شاؤول موفاز الذي قال له «إن فرص التعاون بينهما لم تُستنفد، وإن هناك فرصة أخرى لتحقيق هذا التعاون»، كما كان لافتاً ايضاً اتصاله برئيسة حزب «الحركة»، تسيبي ليفني، داعياً إياها إلى لقائه في أقرب وقت من أجل الانضمام إلى الائتلاف الحكومي. وشملت اتصالات نتنياهو ايضاً، قادة الكتل الذين من المستبعد مشاركتهم في الحكومة، وعلى رأسهم رئيسة حزب «العمل»، شيلي يحيموفيتش، التي أوضحت له «الفجوة» العميقة بينهما «في موضوع الاقتصاد والمجتمع الإسرائيلي»، وجددت تأكيدها على أن حزبها سيبقى في المعارضة، وأنه سيعارض وبشدة الخطوات التي ينوي نتنياهو القيام بها في المرحلة المقبلة. وفي ملف المفاوضات مع الفلسطينيين قالت «حزب العمل سيدعم وبقوة كل خطوة تؤدي للعودة إلى المفاوضات». كذلك وجَّه نتنياهو الدعوة أيضاً إلى رئيسة حزب «ميرتس» اليساري، زهافا غلئون، التي رفضت الانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو.
في كل الأحوال، تتمحور التقديرات لجهة تأليف الحكومة المقبلة بحسب القضية الأساسية التي ستتبناها؛ إذا كانت الأولوية للمساواة في عبء التجنيد يرجح أن تتكوّن الحكومة من ائتلاف يشمل «الليكود بيتنا، هناك مستقبل، الحركة، كديما، البيت اليهودي» مع غطاء نيابي يصل إلى 70 مقعداً. أما إذا كانت الأولوية للمسيرة السياسية، فإنه يرجح أن تتكوّن الحكومة من ائتلاف يشمل «الليكود بيتنا، هناك مستقبل، الحركة، كديما، وشاس»، مع غطاء نيابي يصل إلى 69 مقعدا. أما في حال توجه نتنياهو إلى تأليف حكومة يمينية مع الحريديم، فستكون قائمة على أغلبية هشة تبلغ 61 مقعداً. إلى ذلك، رأى السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، نائب رئيس معهد «بروكينغز» في واشنطن، مارتن انديك، أن الناخبين الإسرائيليين وجهوا رسالة واضحة إلى الفلسطينيين في الانتخابات الأخيرة، مفادها أن «احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، ومسألة السلام والحرب بينهم قضية لا تحظى بأولوية»، موضحاً أن الناخب الإسرائيلي يركز على قضاياه الداخلية من اقتصاد وأمن وغيرهما، كأن الفلسطينيين في قارة أخرى».
كذلك استبعد انديك بروز تحالفات حكومية إسرائيلية على المدى المنظور «تولي عملية السلام مع الفلسطينيين أو التوصل إلى حل الدولتين أيّ اهتمام»، لافتاً إلى أن رئيس «ييش عتيد/ هناك مستقبل» يائير لابيد «لا يختلف كثيراً عن نتنياهو، فهو يصر على إبقاء القدس غير مقسمة، وعلى إبقاء المستوطنات الكبيرة التي تبتلع مساحات الاراضي الكبرى». وتناول انديك ايضاً، سياسة الابتزاز التي اتبعها الاسرائيليون مع الفلسطينيين بالقول «كلما قدم الفلسطينيون تنازلا طرح عليهم الإسرائيليون مطالب تعجيزية. طلبوا اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل، وعندما فعلو ذلك، طالبوهم بالاعتراف بدولة إسرائيل اليهودية.. وعندما كانت إسرائيل مصابة بهلع الإرهاب، اشترطوا على الفلسطينيين محاربته، وعندما فعل الفلسطينيون ذلك، وحقيقة الأمر ان الأمن الفلسطيني استطاع القضاء عليه، أصبح هذا أمراً متوقعاً منهم (الفلسطينيين) ولا يدخل في معادلة ضرورة التوصل إلى حل».