احتفالات واحتجاجات. عبارتان ربما كانتا تختصران حال المصريين في الذكرى الثانية للثورة التي تصادف غداً. ثورة كان من المفترض أن تحقق آمال وطموحات شعب عاش 30 عاماً تحت حكم الديكتاتور وتعيد إلى مصر بريقها وموقعها على الساحتين العربية والدولية. لكن الآمال سرعان ما تهاوت مع مرور الأيام، لتكشف أن لا تغيير جوهرياً في واقع الحال المصري سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، بل إن الأمور تتجه إلى مزيد من السوء، في ظل الاستقطاب الحاد الذي يعيشه الشارع، والذي كاد يودي في البلاد إلى ما يشبه الاقتتال الأهلي. خطر لا يزال ماثلاً في ظل الاحتقان، الذي قد يتفجر مجدداً في أي لحظة مع الحشود المتوقع خروجها إلى الميادين غداً، ولا سيما أن العديد من المطالب التي رفعها المصريون قبل عامين لا تزال من دون تحقّق. ولعل غياب الاحتفال الجامع أبرز مؤشر على الأوضاع في مصر بعد الثورة. فالميادين التي اتسعت لكل أطياف المشهد المصري، من يسارييه وإسلامييه قبل عامين، ما عادت تتسع إلا لصوت واحد، سواء من هذا الطرف أو ذاك. القوى الليبرالية واليسارية المعارضة لها برنامجها الخاص، والقوى الإسلامية الحاكمة حالياً لها برنامج مختلف تماماً. وما بين هذا وذاك تقبع الطبقة الكادحة، التي تعدّ الخاسر الأبرز خلال المبارزة القائمة بين الأقطاب السياسية في الساحة المصرية. قوى غُيّب صوتها نهائياً في إطار التنافس على الحكم ومعارك الرأي والرأي الآخر.
مطالب الثورة، التي قامت على رفض الفساد والإفقار، ضاعت في زواريب الصراعات الحزبية، التي تلهت عن سياسات إفقارية جديدة تعتمدها السلطات الإخوانية، سواء عبر رفع الضرائب أو الاتفاقات الموقعة مع البنك الدولي، التي ستفرض على الدولة سياسات اقتصادية طويلة الأمد تشكّل امتداداً للسياسة الاقتصادية للنظام السابق، وهو ما بدأ العديد من المصريين بلمسه مع الانهيار في سعر الجنيه وارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية.
وإذا كان الوضع الداخلي على هذا المستوى من التردي السياسي والاجتماعي، واستنساخاً للعهد السابق، لا يبدو مشهد مصر الخارجي أشفى حالاً. فالاستنساخ لا يزال نفسه، بل بشكل أسوأ مما كان عليه في السابق، في ظل التحالف المثير للكثير من علامات الاستفهام مع نظام حكم الإخوان ودولة قطر، الراعية لهذه التنظيم في المنطقة. تحالف يبدو أنه في طريقه لإطلاق يد الإمارة الخليجية في الداخل المصري عبر جملة من العناوين، منها الودائع والمنح والاستثمارات التي باتت تلامس قناة السويس، إضافة إلى مشروع الصكوك الإسلامية، التي يتهيّب لها المعارضون، باعتبارها بيعاً لأصول الدولة المصرية.
علاقة وضعت القاهرة في موضع الارتهان. فمن كان يأمل استعادة مصر لمكانتها الطبيعية في المنطقة، نسبة إلى موقعها الاستراتيجي وقدرتها على التأثير في كل ملفات الإقليم، سرعان ما خاب أمله، مدركاً أن القاهرة لا تزال غير قادرة على أداء أي دور على هذا المستوى. بل هي تعيد تكرار ممارسات نظام حسني مبارك، لكن بغطاء إسلامي هذه المرة، وهو ما تجلّى في العدوان الأخير على قطاع غزّة والاتفاق الذي رعاه المصريون لضمان وقف المقاومة الفلسطينية.
معطيات داخلية وخارجية تشير إلى أن العناوين العريضة للثورة المصرية لا تزال على حالها، وأن العامين الماضيين لم يغيرا من واقع الحال شيئاً. فاستبدال الوجوه لم يؤدِّ إلى تبديل في النهج، الذي يبدو أن مصر بحاجة إلى ثورة ثانية لنزعه من جذوره.
(الأخبار)