خلال ساعات معدودة تحول يائير لبيد إلى السياسي الأكثر عرضة للغزل في الحلبة السياسية الإسرائيلية. بين ليلة وضحاها وجد الشاب ذو الملامح الجذابة نفسه حجر الزاوية في خيارات دراماتيكية: إنقاذ بنيامين نتنياهو من خلال الانضمام إليه من موقع الشريك الأول في تشكيل الحكومة وفرض أجندته وأولوياته على العمل الحكومي، أو الوقوف في رأس معارضة وازنة وقوية لإسقاطه وفرض انتخابات مبكرة في نهاية المطاف. قدرة على التأثير يحسد عليها من كان حتى قبل أشهر مقدم برامج تلفزيونية وكاتب مقال أسبوعي في صحيفة يومية.
لم يكن لبيد الإعلامي الإسرائيلي الأول الذي يخلع عن نفسه مهنة المتاعب ويتحول للسباحة في روبيكان السياسة. سبقته إلى ذلك شخصيات حجزت لنفسها حيزاً مهماً في سجل الساسة الإسرائيليين: يوسي بيلين، يوسي سريد، رئيسة حزب العمل الحالية، شيلي يحيموفيتش، وغيرهم. ولعل الأقرب إلى حالة لبيد والأشد تماهياً معها هو والده طومي، الإعلامي البارز الذي خاض مراساً سياسياً على رأس حزب شينوي خلال عدة دورات انتخابية. مراس وصل إلى ذروته في انتخابات عام 2003 حين حصد 15 مقعداً. إلا أن لبيد الابن تفوق على والده في اختصار المسافات السياسية ليحصد في أول ترشح له، على رأس حزب أسسه من العدم، 19 مقعداً ويصبح بحسب بعض المعلقين «متوج ملك إسرائيل»، أي الشخص الذي لا يمكن أياً كان تشكيل الحكومة من دونه.
ثمة إجماع، حتى في أوساط لبيد، أنه لم يكن يحلم بإنجاز بهذا الحجم، حتى إن بعض مقربيه أشاروا إلى حاجته لبعض الوقت للتكيف مع الواقع المستجد. بيد أن ذلك لا يعني أنه لم يكن يَعدُ نفسه بكتلة نيابية وازنة توقعتها له استطلاعات الرأي ويستعد لدور محوري في الحلبة السياسية الإسرائيلية. توقف الكثيرون عند اتزانه وهدوئه في إدارة حملته الانتخابية، وحرصه على عدم التورط في زلات لسان محرجة أو في خصومات شخصية مع منافسين آخرين. بقي متصالحاً مع رسالة حزبه البسيطة «جئنا للتغيير» من دون إغراق نفسه بكليشهات سياسية لا طائل منها. والتغيير بالنسبة إلى لبيد يتعلق أكثر من أي شيء آخر بالحفاظ على مصالح الطبقة الوسطى في المجتمع الإسرائيلي، سواء لجهة مستواها المعيشي المهدد بفعل الأزمة الإقتصادية وسياسات الحكومات السابقة، أو لجهة تكبدها وزراً فائضاً في تحمل أعباء الخدمة العكسرية لمصلحة اليهود الأصوليين المُعفَين من الخدمة، وهو ما يُعبر عنه في الأدبيات الإسرائيلية بالمساواة في العبء. إلى هذين العنوانين الأبرزين، أضاف لبيد بعض البهارات ذات النكهة السياسية، كضرورة إدخال تعديلات على طريقة الحكم وأهمية تفعيل العملية السياسية بما لا يتعارض مع المصالح الأمنية لإسرائيل.
على هذا الأساس، ثمة من يرى أن لبيد حاكى أذواق المصوتين الذين يطمحون إلى التغيير غير الجذري. ذلك النوع من الإسرائيليين الذين «يحبون هويتهم الإسرائيلية ويحبون الجيش، وفي الوقت نفسه يفضلون التوقيع بالأميركية. الإسرائيليون الذين لا يحبون العرب ولا الشرق الأوسط الجديد، وإذا كانوا يرغبون بالسلام فلكي تكون إسرائيل مقبولة في الغرب».
يجسد لبيد بالنسبة إلى منتخبيه الوسط الطبقي والوسط السياسي الأمني والوسط الاجتماعي والاقتصادي، لكنه برغم كل ذلك لا يساوم على الطابع العلماني لإسرائيل، وخصوصاً في المجال التربوي. وقد اختصر رؤيته هذه في عبارة عرف بها عن حزبه قائلاً: «نحن حزب وسط الوسط. نحن حزب الطبقة الوسطى الإسرائيلية».
هؤلاء هم الإسرائيليون البرجوازيون الذين يعطون الأولوية لحياة الهدوء والترفيه والاستقرار، بعيداً عن كل تعقيدات السياسة ومشاكلها وأمراضها. وإذا كان لا بد من السياسة، فلتكن لخدمة هذه الأولوية، لا لأغراض الإيديولوجيا ــ يسارية كانت أو يمينية ــ ولا كتابة التاريخ ولا صناعة الجغرافيا. ولعله ليس من قبيل الصدفة، والحال هذه، أن يكون لبيد أقل المرشحين إلى الانتخابات تعاطياً للسياسة بمعناها المتداول، وأكثرهم ابتعاداً عنها في حياته الشخصية والمهنية. ولأنه كذلك، لا تُعلم له مواقف بارزة في الاستحقاقات التي تواجهها إسرائيل على جبهاتها الخارجية. فهو يؤيد استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين للتوصل إلى «طلاق ودي» معهم، وفي الشأن الإيراني يتمترس وراء موقف المؤسسة الأمنية وتوصياتها.
ويائير لبيد يمارس الفنون القتالية ويهوى التمثيل وورث موهبة كتابة الروايات عن والدته الأديبة شولاميت لبيد. متزوج مصوّرة وله ثلاثة أولاد، أحدهم من زواج سابق.