الملف | يشهد الملك عبد الله الثاني، اليوم، انتخاب رابع مجلس نيابي في عهده (برلمانات 2003، 2007 و2010)، سيكون الأضعف في أدائه التشريعي والرقابي في تاريخ الأردن، ويُعمّق احتكار مؤسسة العرش للسلطة عبر حكوماتها الهزيلة، عوض أن تتسع دائرة المشاركة السياسية، ويتم فصل السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، والتقدم في مسيرة إصلاح تُطوّر النظام الملكي ذاته
، كما يردد الملك على الدوام. وفي سعي السلطة للالتفاف على الحراك الشعبي في الأعوام الثلاثة الأخيرة، تم إطلاق لجنة الحوار الوطني عام 2011 لتختزل الإصلاح المنشود بثلاثة بنود هي: قانونا الانتخاب والأحزاب والتعديلات الدستورية، متجاهلةً النهج الاقتصادي المشوه وما أنتجه من فساد وإفقار وتجويع طوال العقدين الأخيرين على وجه الخصوص.
«الحوار الوطني» اصطدم بـ«عُقد ثلاث»، حين جرت محاولة الدفع بقانون انتخاب يضمن وصول 50 نائباً على أساس القائمة الوطنية إلى مجلس الأمة (لمزيد من المشاركة الحزبية على حساب التمثيل الجهوي للعشائر والمناطق والمال السياسي). ورغم مراهنات البعض على تدخل القصر انتصاراً لهذا التوجه، تم إقرار القانون الحالي بواقع 27 نائباً عن القائمة الوطنية (من أصل 150 مقعداً)، وعلى ضوء ذلك قاطعت جماعة الإخوان المسلمين وحزب الوحدة الشعبية، ولاحقاً الحزب الشيوعي _ بعد هبّة تشرين الأخيرة _ الانتخابات المنوي إجراؤها اليوم.
العقدة الأولى تتصل بهاجس ديموغرافي، خوفاً من اتساع تمثيل الأردنيين من أصل فلسطيني في البرلمان المقبل في حال زيادة عدد نواب القائمة الوطنية. ولم يتوقع النظام أن الأردنيين في المخيمات والقرى والحواضر خرجوا معاً _ بعد شهور قليلة من إقرار القانون _ احتجاجاً على ارتفاع أسعار المحروقات الذي أقرّه نظام يمارس إفقارهم الى حدّ مطالبة بعضهم بإسقاطه، وليس الاكتفاء بحرق بطاقاتهم الانتخابية ورفض القانون الذي ستزوّر نتائجه إرادتهم الحرة ومطالبهم المحقة.
وقد شكّلت هبة تشرين مفصلاً مهماً في المجتمع الأردني، حين صحا أفراده على واقعهم، معيدين طرح التساؤلات الأساسية عن تحررهم من سلطة تقسّمهم حسب أصولهم ومنابتهم لتحكمهم عبر محاصصة «مستترة» تحتم الفشل في أداء المجالس النيابية وعملية الإصلاح ككل.
عقدة ثانية حالت دون التوافق على قانون الانتخابات الذي اقترحته لجنة الحوار، وتتعلق برؤية نادى بها الملك منذ توليه الحكم عام 1999 حول إنشاء ثلاثة أحزاب (يسار، وسط ويمين) تنهي استحواذ «الإسلاميين» على الشارع وإمكانية تشكيلهم الحكومة البرلمانية المقبلة، التي وعد بها رأس النظام منذ عامين، ثم عاد عنها عبر إصراره على القانون الحالي، ولم يفطن أنه منذ إعلان المقاطعة «الإخوانية» للانتخابات، تظهّر الابتزاز السياسي الذي تمارسه حركة الإخوان على نحو متسارع.
ينام النظام على حلم انتخاب المجلس السابع عشر، وعينه على صناعة بديل «يساري» لتحالفه القديم مع الإسلاميين، ويعوّل _ ربما _ على انشقاق عدد من رموزهم أطلقوا «وثيقة زمزم» الشهر الفائت، وعلى تراجع نفوذ قوى الإقليم المؤيدة لـ«الإخوان» وعلى رأسها قطر ومصر.
في المقابل، يغفو الإخوان على «إفشال» التوجهات الداخلية للنظام ومواصلة ابتزازه، كما حدث في ملف إمداد الغاز المصري للأردن، ومن خلال إيصال رسائل إلى الخارج بأن عمّان عاجزة عن إدارة امتحانات الثانوية العامة (تقارير عدة أشارت إلى تسريب الأسئلة)، فكيف لها أن تكفل نزاهة الانتخابات والمضيّ بإصلاح سياسي يقصي القوة الحزبية الأكبر في البلد. ويراهنون في الوقت نفسه على توسع نفوذ حلفائهم في المنطقة وتغيير قريب في سوريا.
وتجلّت العقدة الأخيرة في خوف النظام من إجراء انتخابات وفق مقترح «الحوار الوطني»، في ظل ظروف المنطقة الراهنة، مبقياً البرلمان المقبل رهينة القصر وأجهزته الأمنية، اللذين يحتكران صناعة القرار وإدارة السياسة الخارجية رغم إخفاقهما المتزايد.
مرة أخرى، يخطئ النظام في تقدير جذر أزمته وكيفية الخروج منها، ولن ينجو ببرلمان صوري يُبقي السلطة كاملة بيديه، لا بسبب عقم قانون الانتخابات الحالي، ولا افتراضه عُقَداً متوهمة واجتراحه شكلاً كاريكاتورياً لحلّها فحسب، إنما في تجاهله المزمن للمظالم الحقيقية التي يعانيها المواطنون نتيجة تبعيته لمركز الرأسمالية وتفريطه بالدولة ومقدراتها من خلال تطبيقه سياسات صندوق النقد الدولي من جهة، وتحالفاته السياسية مع دول وقوى على حساب مصالحه ومصالح شعبه على حد سواء.
«وصفة سحرية» تُنتج مجلس الانتحار الأردني السابع عشر، الذي سنشهد احتجاجات ضده منذ اليوم الأول لـ«تعيينه» ولن ننتظر شهراً واحداً، وهي الفترة التي تفصل بين انتخاب المجلس السابق والدعوة الى الاعتصام الأول ضد مواقف أعضائه والطريقة التي تم انتخابهم بها. انتحار قد لا يفضي إلى حل البرلمان خلال عام 2013، بل إلى المسارعة في تقويض النظام الأردني على يدي النظام ذاته.



من عبدالله الأول إلى الثاني

مرّت الحياة البرلمانية الأردنية بمشوار طويل بدأ في عام 1928 من دون أن يؤدي إلى استقرارها. فمن أصل 15 مجلساً نيابياً تم إنهاء 12 مجلساً بالحل قبل انتهاء المدة المقررة.
المرحلة الأولى: فترة الإمارة والمجلس التشريعي (1928_1946)
ظهر أول قانون للانتخاب في 17 حزيران 1928، وأجريت الانتخابات على أساسه. وانعقد المجلس التشريعي الأول في 2/4/1929، وكان عدد أعضائه 16 عضواً، فيما اقتصرت مهماته الفعلية على تقديم النصح والرأي للحكومة، وكان يرأسه رئيس مجلس الوزراء. وشهدت هذه المرحلة خمسة مجالس تشريعية.
المرحلة الثانية: (1947_1950)
تحولت الإمارة إلى مملكة باسم المملكة الأردنية الهاشمية، فاستحدث مجلس جديد سمّي مجلس الأمة بدلاً من المجلس التشريعي، يتكون من مجلسين (النواب والأعيان)؛ المجلس الأول منهما منتخب من الشعب، ويبلغ عدد أعضائه 20 عضواً، والثاني يعيّنه الملك، وعددهم 10 أعضاء. وأصبحت مدة المجلس أربع سنوات.
المرحلة الثالثة: (1950_1974)
شهدت هذه الفترة تطورات سياسية كثيرة أثّرت مباشرة على واقع الحياة النيابية في البلاد، ومنها: قرار وحدة الضفتين (الشرقية والغربية) في 24 نيسان 1950، وصدور دستور عام 1952، وصدور قانون الأحزاب في آذار عام 1955، وإعلان الأحكام العرفية في نيسان من عام 1957، إضافة إلى أحداث حرب 1967.
تميزت الفترة (1950_1957) بازدهار الحياة الديموقراطية والحزبية والبرلمانية. أما الفترة (1957_1967) فقد شهدت تراجعاً في مستوى الحريات العامة.
المرحلة الرابعة: (1974_1984)
تميّزت هذه المرحلة بخلوّها من السلطة التشريعية الحقيقية، نتيجة لحل مجلس الأمة الأردني في 23/11/1974، وعوضاً عن مجلس الأمة، تم تأليف مجلس وطني استشاري يجري اختيار أعضائه بالتعيين. وتألفت خلال هذه الفترة ثلاثة مجالس استشارية من 1978_1984.
المرحلة الخامسة: استئناف الحياة الديموقراطية بعد عام 1989
بالعودة إلى الحياة البرلمانية صدر قانون انتخاب جديد، تم فيه إلغاء مقاعد الضفة الغربية، وأجريت الانتخابات في 8/5/1989، بينما جرت الانتخابات التالية (المجلس الثاني عشر) بموجب قانون الصوت الواحد الصادر عام 1993. وفي عام 2001 تم وضع مشروع قانون الانتخاب المؤقت رقم (34) لعام 2001، وتم تعديله لاحقاً حيث تمت زيادة عدد الدوائر الانتخابية إلى (45)، وعدد النواب إلى (110)، وتخصيص (6) مقاعد للمرة الأولى في تاريخ الحياة النيابية الأردنية للمرأة. وخلال عام 2010، وضمن الاستعدادات لانتخابات، تم وضع قانون انتخاب جديد، بينما تجري الانتخابات الحالية وفق قانون جديد.