على الرغم من ترك الجيش المصري إدارة البلاد، منذ آب الماضي، وتغير قياداته العسكرية، إلا أن الأحداث المتوالية تؤكد أنه لا يزال يطل برأسه من حين لآخر في العديد من المواقف التي يراها تمسه أو تمس مصالحه أو المناطق التي يرى أنه صاحب الكلمة العليا والفصل فيها.
هذا الأمر ظهر جلياً من خلال عدد من المواقف، بدءاً من مواد التي تخصه في الدستور حول المحاكمات العسكرية للمدنيين، والرقابة على ميزانيته وإصدار قرار بعدم تملك أحد من الأراضي الموجودة على الشريط الحدودي في سيناء، مروراً بعدم السماح لعدم مؤدي الخدمة العسكرية بالترشح لمجلس النواب، حتى وإن كانت مؤجلة للمرشح.
إلا أن هذه الإطلالة يبدو أنها ستظهر بقوة خلال الفترة المقبلة مع الحديث عن مشروع تنمية محور قناة السويس وشرق التفريعة، من قبل حزب الحرية والعدالة ووزراء في الحكومة بوصفه مشروع مصر القومي المقبل، وهو نفس ما تحدث به من قبلهم الرئيس محمد مرسي في خطابه الافتتاحي لمجلس الشورى في 29 كانون الأول الماضي. ويتمحور المشروع حول تحويل محور القناة ومنطقة شرق التفريعة إلى منطقة لوجستية عالمية اقتصادياً وعمرانياً، بحيث تقدم خدماتها للسفن التي تمر عبر القناة، على أن لا يقتصر الأمر على تحصيل رسوم المرور بل يرتفع إلى تحصيل رسوم على كل ما تحتاجه السفن والناقلات من لوجستيات.
وأكدت مصادر صحافية متخصصة في الشأن العسكري، لـ«الأخبار» أن التسريبات من داخل الجيش تشير إلى رفض القوات المسلحة لوجود استثمارات أجنبية على جانبي الممر الملاحي، أياً كان مصدرها. وكشفت أن الفريق إيهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس والقائد السابق للقوات البحرية، سيخاطب القوات المسلحة والرئيس مرسي لعقد اجتماع لإبلاغهم برفض المقترحات القطرية التي يتردد أنها تسعى إلى إقامة مشاريع تنمية لوجستية حول الممر الملاحي لقناة السويس.
وأشارت المصادر إلى أن الجيش بداخله حالة استياء من مرسي في ما يتعلق بالأمور التي يراها سيادية، «فمحور قناة السويس هو نقطة ارتكاز أساسية في قضية الأمن القومي المصري، ولا يمكن التعامل معها بهذه السهولة أو التبسيط».
ولفتت إلى أن زيارة وزير الدفاع والإنتاج الحربي، عبد الفتاح السيسي، لمناطق تأمين المجرى الملاحي بالقناة، في الأول من كانون الثاني وعقب خطاب مرسي بثلاثة أيام فقط، مثلت إشارة واضحة ورداً سريعاً على من يحاول التعامل مع القناة أو محيطها دون أن يدرك أن القول الفصل سيكون للقوات المسلحة. يومها حرص السيسي على التأكيد أن القوات المسلحة لن تسمح بالمساس بأمن القناة، ولن تسمح بانتزاع أي قوة غير مصرية للقناة بوصفها أحد أهم شرايين الأمن القومي.
وهو ما أعاد تأكيده أمس مصدر عسكري لصحيفة «المصري اليوم»، مؤكداً أن القوات المسلحة لن تسمح بإقامة أي استثمارات تهدد الأمن القومي المصري. وحذر المصدر من أن أي دولة أجنبية أو حتى مستثمرين مصريين يريدون إقامة مشروعات استثمارية بالقرب من قناة السويس عليهم أن يتفهموا الطبيعة الاستراتيجية للقناة ودورها في اتجاهين رئيسيين باعتبارها مصدراً رئيسياً للدخل القومي المصري، بالإضافة إلى اعتبارها محور ارتكاز بالنسبة إلى عمليات القوات المسلحة المصرية، وخصوصاً أهميتها بالنسبة إلى قوات الجيش التي تتمركز في سيناء.
وشدد المصدر على أن القيادة العامة للقوات المسلحة تدرس أي مشروعات قريبة من المناطق العسكرية أو تقع في نطاقها بالتعاون مع جهاز الاستخبارات العامة وإدارة الاستخبارات الحربية والاستطلاع وهيئة عمليات القوات المسلحة، مشيراً إلى أن القوات المسلحة تضع «ألف خط أحمر» تحت القضايا التي تتعلق بالأمن القومي المصري، باعتباره مهمة وحقاً أصيلاً للجيش يدافع عنه في كل وقت.