غزة | كانت تحلم بذلك مذ سمعت بالأنفاق. «دولر» الأميركية تمكنت من خوض تجربتها الأولى بالدخول والخروج من الممرات الرملية سليمة معافاة قبل قرار الإغلاق! من هي هذه «الدولر»؟ هي دولر كوفل، ناشطة أميركية تعمل لدى مركز «معاً» التنموي. لدخولها القطاع المحاصر كان لها سبيلان بطبيعة الحال، أولهما معبر رفح، وهو خيار لم يجدِها نفعاً، وخصوصاً بعد إخفاق الحصانة الدبلوماسية لجواز السفر الأميركي في تسريع مرورها عبر معبر رفح المصري، ما دفعها إلى سلوك طريق الأنفاق الرملية الواصلة بين الحدود المصرية وحدود القطاع المُحاصر.
هي فرصة جاءتها على طبق من ذهب، مثلما تقول الشابة ذات الستة وعشرين عاماً لـ«الأخبار»، ولكن... أيّ ذهب يكون في طريق يتهدد العاملين داخله بالموت كل ثانية؟ نسأل دولر، لتخبرنا عن مدى تطلعها لخوض مغامرة كتلك، وخصوصاً بعد سماعها كثيراً من القصص المرعبة التي تداولتها وسائل الإعلام العالمية حولها، بما يجعل الأمر لديها مغرياً للتجربة! إلا أنّ كل ما تداولته وسائل الإعلام عن خطورة الأنفاق تبدّد بعد معايشة دولر لتجربة، لا تجدها آمنة فحسب، بل ممتعة أيضاً! سبب ذلك يعود إلى جِدَتها واستثنائيّتها وخلوّها من المتاعب، عكس ما يقال! يُضاف إلى كل ذلك ميزتها الأكثر أهمية، وهي قصر المدة الزمنية التي يتطلبها الوصول إلى القطاع، خلافاً لما يتطلبه الانتظار في معبر رفح. هنا تُحدّث دولر عن تعجبها من وجود حاجز يفصل بين القطاع ومصر، رغم التصاقهما ببعضهما البعض الى هذا الحد، بما لا يتطلب وجود حاجز عبور بينهما، هي وجهة نظر خاصة تأخذ صاحبة الشعر الكستنائي إلى البحث والنبش في طرقات وشوارع غزة، تتجول هنا وهناك...
وكلما التقت بأحدهم لفت انتباهه وقع اسمها الشديد الشبه باسم العملة الأميركية الشهيرة «دولار»، فتتسع عيناه حتى أقصى مداهما، ليمازحها هكذا: «دولار يعني مش ين ولا يورو ولا دينار؟»، لتنفجر بالضحك، بالضبط مثلما فعلت حينما قابلتها أوّل مرة! وبالطبع لاسمها العجيب قصة، فمنذ أن كان عمرها عامين، استبدلت اسمها المتعارف عليه في الأوراق الرسمية «كارول» باسم «دولر»، ما أثار غضب جدتها التي سميت على اسمها، لاستغناء حفيدتها عن اسمها مقابل اسم ليس له معنى بنظرها. وكنت قد ظننت أنّ أمزجة وعادات الجدات الأميركيات تختلف عن العربيات منهن، ليتضح أخيراً أنهن سواء في غرامهن بتوريث أسمائهن لأحفادهن! تتفاخر «دولر» بندرة اسمها بين الأسماء. تفاخرها ذاته دفعني إلى التفاؤل خيراً باسم يحمل وقعه الكثير من الثراء، أي على نظرية أنّ الأسماء التي تستوقفنا معانيها تحمل لنا رسالة ما، هدية ما تحمل ذات معنى الاسم. وبالمقابل، نحن نمنح معاني أسمائنا لمن تأثرنا بأسمائهم. هكذا... توطدت علاقتي بها، لتُفاجئني في آخر يوم لها في غزة بقطعة نقدية فئة واحد دولار، كتبت عليها كلمات للذكرى، فكانت هديتها تلك مصدر تفاؤل، على أمل أن تكون هديتها أول الدولارات التي ستمطر عليّ في القطاع المحاصر!
دولر رحلت، صحيح، لكن كثيرين لا يزالون ينتظرون بفارغ الصبر فتح الأنفاق، ليس فقط لعيش تجارب تحدٍّ ممتعة لا يجدونها في بلادهم المرفّهة، ولكن لتنفيذ أعمال فنية داخل ممرات الأنفاق، أي كتلك التي تخطط لتنفيذها الفنانة النرويجية فيبريك هاربر، لكنّ الإغلاق الحالي للأنفاق سيجعل هاربر وغيرها ينتظرون الى أن تقرر الداخلية أن الأنفاق عادت آمنة.
2 تعليق
التعليقات
-
توضيح ما جاء في المقالالزميلة تغريد ، أشكرك على المقال المذكور وأود توضيح التالي: ان دولار لا تعمل في مركز العمل التنموي/ معا، بل كانت متطوعة لمدة قصيرة من الزمن خلال فترة وجودها في الضفة الغربية. ان ما قامت به من تجربة العبور عبر الأنفاق في رفح تم بعد مغادرتها الضفة بشكل نهائي. ليس من الموضوعية الادعاء أنها تعمل في المركز كما اننا لسنا مسؤولين عن مغامراتها . بالتأكيد ان عبور الأنفاق ليس بالتجربة الممتعة لا للفلسطينيين ولا لغيرهم، بل هي تجسيد لمعاناة شعبنا الفلسطيني وللأطفال والعمال الين يعملون في تلك الأنفاق للحصول على دخل يسد جزء بسيط من احتياجاتهم المعيشيةبسبب الحصار الجائر المفروض من اكثر من ست سنوات على القطاع. مع تحياتي سامي خضر مدير عام مركز العمل التنموي/ معا
-
يفلح الأمريكان بتجميل كل التجارب ,و البطل في أفلامهم لا يموت يفلح الأمريكان بتجميل كل التجارب , و البطل في أفلامهم لا يموت أبدا حتى لو قلبت الدنيا رأسا على عقب , هي ثقافة سائدة بتميز الأمريكي , الأنفاق هي تجربة مؤلمة و مميتة و هو حل مؤقت و ليس متعة لسيدة أمريكية قد تجد في زيارة عائلات مشردة في أقصى الدنيا لا طعام لهم و لا شراب و لا حياة كريمة , قد تكون لكلابهم حياة أفضل منهم بجميع المقاييس ,و تعود لتقول كانت مغامرة ممتعة و هي ممتعة لها , لأنها ليست قضيتها , نحن خبر ربما بإحدى الصفحات و هي البطلة لأنها تجرأت و زارت هذا المكان المخيف , و عادت سالمة , رحلتها هذه هي حياتنا اليومية الشقية المتعبة و ليست مغامرة ممتعةأبدا عزيزتي كل التحية لك