لم أرَ يوماً أمي في هذه السعادة، تروح وتجيء في البيت، تردد «الله يكون معهم، الله ينصرهم، الله يصبّرهم». هي تتحدث بالطبع عن المقاومة الفلسطينية. حرب غزة الأخيرة سمّرت الجميع أمام شاشة التلفاز في غرفة الجلوس، على مائدة الطعام في المطبخ، في الصالون ونحن نستقبل ضيوفنا ثم نعود ونتفرّج على الشاشة، حتى بات من يهتم ومن لا يهتم... مهتماً بالضرورة، في غرف النوم وعبر شاشة الحاسوب بالويب ستريمنغ web-streaming بقينا ساعات الليل الطويلة نتفرّج! لا أحد كان يريد أن يغفو. «لا مجال الآن لتفويت أي خبر. فقد يسقط صاروخ في أي لحظة، وعلى الجميع أن يبقوا مفتوحي الأعين. لا مجال لتفويت مشهد إطلاق صواريخ على أي مستوطنة أو مدينة محتلة. مشاهد اليوم لا تعوّض. لم نرَ مثلها منذ عشرات السنين. مشاهد اليوم لا تتكرر كل يوم، نبقى مستيقظين».
جلست أمي تراقب شريط الأخبار. محللٌ سياسي تعلو صورته الشريط، قال: «الصيف الجاي بنصيّف بفلسطين». لا أعرف إن كان يمزح مزحة ثقيلة أو أنه كان متفائلاً فعلاً بفسحة أمل. هل رأينا عن حق في تلك الحرب عودة إلى الديار الأصلية؟ أتحدث مع صديقٍ لي في رام الله. أطمئن على أحوال الناس في الضفة الغربية بعد دويّ صوت صفارات الإنذار في مستوطنات هناك. يخبرني بصوت خجول «لا تتفاءلي كثيراً، التهدئة قد تكون قريبة، وأما غزة فهي أرض محروقة». تساءلت كثيراً «من يريد التهدئة بعد كل هذه الانتصارات؟ نعم انتصارات رغم أنف الجميع! فاليوم غزة تدافع عن كل فلسطين وتوزّع الكرامة على كل العرب! اليوم غزة لم تعد الحلقة الأضعف. لم نعد نبكي على غزة بقدر ما نشعر بنشوة الفخر مع كل صاروخ يسقط على الأرض المحتلة، بغض النظر إن أسقط عدداً من الإصابات أو لا. يكفي أنه دفن 5 ملايين إسرائيلي في أوكار يسمّونها ملاجئ تحت الأرض خوفاً ورعباً».
أسبوع واحد كان كافياً لإثبات نظرية الضفّاوي. نعم، إنها التهدئة، التي خُرقت عشرات المرات «بس من دون حس». أسبوع واحد كان كافياً لتشتعل الضفة الغربية انتفاضة. كلا، لم يحدث ذلك، وبغض النظر عن الأسباب، ومع كل التقدير للمحاولات. أسبوع واحد كان كافياً لعصيانٍ مدني في الأراضي المحتلة. كلا، لم يحدث ذلك أيضاً. أسبوع واحد كان كافياً لنرى «مارد» مجزرة صبرا وشاتيلا يتجول في القطاع «المحرر» ويبرر للمقاومة حقّها في الدفاع عن نفسها، ولو... ثقيلة المزحة هاي! مهلاً، ألم يكن هذا نفسه يبرّر أسباب المجزرة؟ لا بد أننا نعاني من فقدان الذاكرة، أو ربما (أكلنا الضرب)! 2012 كانت سنة كافية لتحمل لنا أكبر فسحة أمل عرفناها حتى اليوم، وفي الوقت نفسه أكبر خيبة، وكلاهما في أسبوعٍ واحد.