الجزائر | منذ وقوع الهجوم الذي نظمته جماعة «الموقعون بالدم» على محطة الغاز جنوب شرق الجزائر، برزت تساؤلات عما اذا كانت الحادثة بداية لحرب اقتصادية تستهدف المنشآت النفطية، عماد الاقتصاد الجزائري، إلى جانب تساؤلات أخرى عمّا اذا كانت الطريقة التي عالجت بها الجزائر الموقف هي في جزء منها مبنية على استنتاج هذا الاحتمال. وتزامن كل ذلك مع مخاوف من أن تكون الجماعات الارهابية قد فتحت جبهة ضغط جديدة على الغرب وعلى الحكومات المحلية، ولا سيما الحكومة الجزائرية. وفيما ستكون هذه الأسئلة محل بحث في العمق، عمدت السلطات الجزائرية مباشرة بعد إعلان الهجوم الى رفع حالة التأهب القصوى في جميع مواقع استخراج الغاز والنفط المنتشرة على مساحات واسعة في الصحراء، ولا سيما في المناطق الوسطة والشرقية. وعزز الجيش وجوده بالطيران الحربي في كامل المطارات القريبة من حقول النفط والغاز، فيما كانت جماعة «الموقعون بالدم» تهدّد بأن النهج سيتواصل وأن «المجاهدين» سيقتحمون مواقع أخرى لاحتجاز رهائن أجانب.
ورغم ترجيح الخبراء الجزائريين الأمنيين والاقتصاديين أن تكون سرعة تنفيذ هجوم الجيش على الخاطفين تعود الى عقيدة الجيش الجزائري التي لا تقبل التفاوض مع الأرهابيين ولا تقبل أيضاً المشاركة الاجنبية في قراراتها، فإن مجموعة من المحللين الدوليين أعربت عن يقينها أن السرعة أملتها أهمية المنشأة الاقتصادية التي تضخ كميات كبيرة من الغاز المصدر إلى أوروربا. فقد أكدت ايطاليا، التي تعتمد بشكل شبه كلي على الغاز الجزائري، أن الضخ من الأنبوب الذي يعبر المتوسط تقلص بنحو الربع، أي بمقدار ما يضخ من محطة عين امناس. وأعربت عن أملها أن لا يطول توقيف المحطة؛ لأن ذلك يؤثر كثيراً على مخزون البلاد والأداء الاقتصادي. بدورها، أعربت الوكالة الدولية للطاقة عن قلقها، متوقعة أن يكون لحجز الرهائن في عين امناس وقع ثقيل على الاقتصاد الجزائري، وحذرت من أن «سحابة سوداء» ستلفّ قطاع الطاقة الجزائر بعد هذه العملية. لكن العديد من الخبراء يرون أن «السحابة السوداء» ستلفّ الاقتصاد العالمي برمته إن تكررت الهجمات وانتشرت الى مواقع أخرى في الجزائر والبلدان المجاورة، وخاصة نيجيريا وليبيا. وقال أندري كيروتشينكوف، المحلل في مجموعة «في تي بي كابتول» العالمية، إن اسعار النفط ارتفعت بسبب ارتفاع حقوق المخاطر الجيوسياسية الناجمة عن ازمة الرهائن في الجزائر، لافتاً إلى أن ما جرى أنعش مخاوف من اضطراب إنتاج هذا البلد من المحروقات ومساهمته في تموين السوق.
وفيما تزداد المخاوف من أن تتحول منشآت الغاز والنفط الى ساحة في قلب الحرب على الارهاب، لم يتردد وزير الدفاع الأميركي، ليون بانيتا، في توعد الجماعات الإسلامية المسلحة، سواء في الجزائر أو في بلدان الساحل الاخرى بالملاحقة؛ لكونها تمس بأمن أميركا ومصالحها. فالجزائر هي ثاني أكبر شريك عربي للولايات المتحدة، بما يزيد على عشرين مليار دولار معظمها من الغاز. وحرب الغاز والنفط حرب عالمية لأنها تمس بعمق الاقتصاد والامن العالميين.
ويعتقد الخبراء الاقتصاديون والامنيون أن الجماعات المسلحة في الصحراء الافريقية الكبرى تمتلك خيارات كثيرة لإلحاق الضرر باستقرار بلدان المنطقة والاقتصاد العالمي في ظل ضخ الجزائر وليبيا ونيجيريا النفط والغاز بكميات كبيرة لاوروبا وأميركا.
وتزداد حدة هذه المخاوف بعد إعلان تقارير استخبارية أن الهجوم على محطة «عين امناس» ليس رداً على بداية الحملة الفرنسية على مالي، بقدر ما هو تطور في نشاط الجماعات الجهادية لفرض منطقها، ما يعطي الانطباع أن الدول الغربية تعد العدة لمواجهة الموقف وكسب «حرب النفط والغاز» بأي ثمن.