انتقلت الأزمة المالية أمس من «تحدٍّ فرنسي» إلى «تحدٍّ جزائري»، إذ سلّم معظم المحللين الفرنسيين البندقية للجزائر وحسموا انتقالها الى الصفوف الأمامية للجبهة بعد أن اخترق الجهاديون أمنها وهددوا منشآتها الحيوية، فيما برزت خشية من تحوّل الجزائر الى باكستان ثانية. «حرب مالي باتت دولية»، هذا ما اتفق عليه معظم المتابعين في فرنسا أمس، بعد عملية خطف العمّال في منشأة غاز في الجزائر. العملية التي تبنّتها كتيبة «الموقّعون بالدم» جاءت كحبل إنقاذ للمتخوّفين من تورّط فرنسا وحدها في مستنقع الصحراء، فحسم هؤلاء أمر «تدويل المعركة»، وأملوا انضمام دول أخرى «بجدّية أكثر» إليها، فيما لمّح البعض الآخر الى «حلول الجزائر الآن محلّ فرنسا في الصفوف الأمامية للجبهة».
«الجزائر هي مفتاح الحرب على الإرهاب الإسلامي في مالي. فرنسا تدرك ذلك والعدو أيضاً»، كتب بيار روسلان في صحيفة «لو فيغارو». «الفرنسيون لم يألوا جهداً في الحصول على مساندة الجزائر التي لولاها لما كان الهجوم الفرنسي قد نجح»، يشرح روسلان. ويضيف «والأعداء أيضاً سارعوا الى محاولة هزّ استقرار الجزائر أولاً». الصحافي يرى أن استهداف منشأة الغاز على الأراضي الجزائرية «لم يختره العدو بالصدفة، فهو يريد خنق الجزائر من خلال استهداف رئة حيوية لها». لكن روسلان أشار أيضاً الى دلالة أخرى لعملية الخطف، وهي «تعاظم قدرات الجهاديين الذين يستطيعون اختراق مناطق محمية بشكل
فينسان جيريه حسم رأيه في «ليبيراسيون» بعد عملية احتجاز الرهائن، وقال: «إن حرب مالي ليست حرباً يقودها المستعمر القديم (فرنسا)، بل هي معركة دولية كبرى. والعمليات العسكرية كما الحلول السياسية تحتاج الآن الى حشد الماليين ودول أفريقيا الغربية والمغرب والمجتمع الدولي».
أما دومينيك لاغارد، في مجلة «ليكسبرس»، فقد سأل عن تبدّل موقف الجزائر وعن الأسباب التي دفعتها الى مؤازرة القوات الفرنسية على أراضي جارتها، الأمر الذي قد يكون المسبب الأول لعملية احتجاز الرهائن. لاغارد ينقل عن بعض المحللين الجزائريين قولهم إن قرار الجزائر يعود الى «فشل الجهود الدبلوماسية التي كانت بدأت في الجزائر، ثم توقفت، فعاد الإرهابيون إلى العمل بحرية، وشعر الدبلوماسيون الجزائريون بالخيانة». لاغارد لا يستبعد أن تكون زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر، الشهر الماضي، قد ساهمت في اتخاذ القرار الجزائري الاخير، وينقل عن أحد المتخصصين الدبلوماسيين تذكيره بأن «فرانسوا هولاند قدّم ضمانات كثيرة للنظام الجزائري في زيارته الأخيرة تلك»، وموضوع مالي طرح في المحادثات الثنائية بين الرئيسين.
سبب آخر يشير إليه لاغارد ساهم في اندفاع الجزائر الى المشاركة في «سيرفال»، وهو تصميمها على الخروج من «عزلة دبلوماسية» كانت قد بدأت تطول، وسعيها لعدم فقدان تأثيرها على القارة الأفريقية، وخصوصاً مع اتهام بعض الدول الأفريقية النظام الجزائري بدعم الجهاديين والسماح لهم بتهريب السلاح عبر الحدود. بُعد الجزائر عن «الربيع العربي» زاد من عزلتها أيضاً حسب لاغارد، وكل ذلك دفعها الى محاولة استرداد موقعها في القارة الأفريقية، فقررت اتخاذ «انعطافة» من خلال دعم العملية الفرنسية. الصحافي يلفت الى أن الشارع الجزائري لا يؤيد بغالبيته خطوات النظام، وبعض المعارضين ينتقدون «استعادة فرنسا دورها كعسكري في المنطقة، ما سيضرب استقرار الجزائر». كذلك عبّر معظم الصحافيين الجزائريين أمس عن خشيتهم من استهداف الجهاديين للمنشآت النفطية في بلادهم، ما سيستدعي «تغييراً جوهرياً في استراتيجية حماية تلك المنشآت والعاملين فيها من جزائريين وأجانب، وهذا يعني تحميل الجيش مسؤوليات ومهمات إضافية الى جانب مكافحة الإرهاب».
«فهل ستتحول الجزائر الى نموذج باكستان في أفغانستان؟ أي دولة تساند الغرب في حربه على الإرهاب ولكن لا تتردد في إيواء الإرهابيين على أراضيها وتقديم فضاء خلفي لهم؟» سأل لاغارد وأضاف أن «المستقبل كفيل بالإجابة عن هذا السؤال».