إسطنبول | في أغرب قضية اعلامية، أثار البعض مسألة تعيين والٍ تركي للسوريين في تركيا وفي الأراضي السورية التي تقع تحت سيطرة المعارضة. القضية وضعت في إطارها الخاطئ، في محاولة لتذكير العالم العربي بالعهد العثماني الأسود، وذلك اثر تعيين فيصل يلماظ برتبة والٍ، منسقاً لشؤون النازحين السوريين في تركيا في 20 أيلول الماضي. وبالحقيقة، يلماظ يتبع مباشرةً لمكتب رئاسة الوزراء التركية، بهدف التخلص من العوائق الإدارية التي صبغت عمل المساعدات التركية للسوريين، الذين يتوزعون على سبع ولايات تركية حدودية. وتحدّثت صحيفة «الشرق الأوسط» عن هذه القضية قبل أيّام، وكأنّ التعيين جديد أو أنّ يلماز مكلّف مهمة سرّية، فيما يعرف الجميع هنا أنّ هذا التعيين لم يكن مهماً وفق العرف الإداري التركي، لأنّ الوالي، ومعناه في اللغة التركية «محافظ»، لا يملك أيّ صلاحيات عسكرية أو استخبارية في ما يتعلّق بالملف السوري. ولم تولِ وسائل الإعلام التركية آنذاك القصة أيّ اهتمام إلى درجة أنّ أيّاً من وسائل الاعلام التركية لم تتعاط مع التعيين حتى كخبر بسيط، وهو ما تفعله، أيضاً، اليوم إذ تجاهل الاعلام التركي بأكمله الضجة المفتعلة في بعض وسائل الإعلام العربية حول الموضوع. ويعرف الجميع في تركيا أنّ الدعم التركي للجيش السوري الحر وباقي الجماعات المسلحة لم ولن يكون ضمن مهمات «الوالي» الجديد الذي لم يصدر عنه أي تصريحات منذ تعيينه في هذا المنصب قبل 4 أشهر. فهو مكلف إيصال المساعدات الإنسانية للنازحين السوريين، وحلّ مشاكلهم ومشاكل عشرات الآلاف من السوريين الذين نزحوا إلى تركيا على حسابهم الخاص، ويقيمون في العديد من المدن التركية بتسهيلات من الحكومة. وجاءت تصريحات زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشدار أوغلو، قبل يومين لإذاعة «بكين» الصينية ليعكس مدى الاهتمام التركي بالموضوع السوري، الذي لا يمكن أن يبقى ضمن صلاحيات والٍ أو محافظ بسيط. وقال كيليتشدار أوغلو إنّ حكومة رجب طيب أردوغان تتدخل بنحو واضح وسافر في الشؤون الداخلية السورية، من خلال دعمها للجماعات المسلحة المتطرفة، وهو ما عدّه خطراً على الأمن الوطني لتركيا، الذي عبّر عن تخوفه من المواجهة الساخنة المحتملة بين سوريا وتركيا بسبب موقف حكومة أردوغان. فيما نشرت العديد من الصحف التركية والغربية مقالات وتحقيقات مصورة عن الدعم العسكري والأمني والاستخباري التركي للجيش السوري الحر والجماعات المسلحة، التي دخل معظم عناصرها من الجنسيات العربية إلى سوريا عبر الأراضي والحدود التركية. وجاءت استضافة مدينة أنطاليا التركية، قبل شهرين، لاجتماع قيادات الجماعات المسلحة، بهدف توحيدها، ليثبت مدى الاهتمام والتدخل التركي الواضح في الشأن السوري، بالطبع إلى جانب الولايات المتحدة، وقطر، وفرنسا حيث حضر ممثلون عنها الاجتماع المذكور.
كل ذلك، في الوقت الذي لا يغيب فيه عن أنظار المراقبين الفتور التركي – السعودي، من خلال الأخبار التي تنشرها وسائل الإعلام المقربة من السعودية عن تركيا وحيلفتها الاستراتيجية مصر، وخصوصاً بعد اعتقال عناصر من الإخوان المسلمين في الإمارات العربية المتحدة، وما لحق به من تطورات مثيرة على صعيد المواجهة النفسية بين قطر، ومصر، وحليفتهما تركيا من جهة، وبين كلّ من السعودية والإمارات ونسبياً الكويت التي لم تعد تخفي قلقها من تحركات «الإخوان» المدعومين من قطر ومصر وتركيا. ويمكن رؤية خبر «الشرق الأوسط» عن «الوالي العثماني»، أيضاً، ضمن هذا الإطار.